ممارسة السياسة بوسائل أخرى عبارة تعني اللجوء إلى الحرب· وإلى عهد قريب كانت الحرب في الفكر المعاصر تعني إما الحرب التقليدية التي تُخاض بواسطة جيوش منظمة، وهذا ما قادت إليه الصراعات القومية والحروب التوسعية في أوروبا القرن التاسع عشر والعشرين، وإما الحرب التحريرية التي تعتمد العمليات الفدائية و حرب العصابات ، وهذا ما قاد إليه التوسع الاستعماري· أما اليوم فنحن نشاهد ميلاد وسيلة أخرى لممارسة السياسة، ضد العولمة السياسية والاقتصادية والعسكرية··· إلخ، يطلق عليها دهاقنة هذه العولمة اسم الإرهاب بينما يسميها الممارسون لها بـأسماء أخرى تحمل معها مشروعيتها في المجال التداولي الذي يستعملونها فيه، مثل المقاومة و الجهاد ، وأيضا توازن الرعب ··· إلخ؟
لنترك جانبا الخوض في المناقشات التي لم تنته ولن تنتهي إلى نتيجة! المناقشات التي تحاول التمييز بين ما هو إرهاب وما هو مقاومة · يكفي أن ننتبه إلى أن الأمر يتعلق بوصفين يُطلِق كل خصم أحدَهما (الإرهاب) على عمل خصمه، بينما يطلق الوصف الآخر (المقاومة) على عمله هو نفسه· المقاومة من فعل الأنا، والإرهاب من فعل الآخر! وعندما يكون الأمر على هذه الشاكلة فمن العبث محاولة التدقيق للتمييز بين ما هو حقيقي واقعي، وبين ما هو إيديولوجي· فالحقيقي في هذه الحالة هو ما تقوله الأنا ، والإيديولوجي هو ما يقوله الآخر خصمها!
وبخصوص الموضوع الذي نخوض فيه سيرتكب المرء خطأ كبيرا إذا هو انساق مع العبارات الشائعة دون الانتباه إلى مضمونها الإيديولوجي وإلى الجهة التي يحيل إليها هذا المضمون· إن عبارة الإسلام السياسي الشائعة اليوم في خطابنا هي بالنسبة لمن يفكر داخل المرجعية الإسلامية ومجالها التداولي عبارة دخيلة ، أو على الأقل ليست من المألوف المستعمل، بمعنى أنك لا تجدها في أي مجال من مجالات الثقافة العربية الإسلامية منذ نشأتها إلى اليوم، وهذا ليس لأنه لا معنى للفصل ولا للوصل بين السياسة والإسلام في التراث العربي والإسلامي، بل أيضا لأن معنى السياسة في اللغة العربية، حاملة هذا التراث، لم يكن قد تخصص بمجال معين كما هو الحال اليوم، فمفهوم السياسة كان يغطي مختلف مجالات التدبير والتسيير: من سياسة الفرس، إلى سياسة المرء نفسه وأهله، إلى سياسة الراعي -البشري أو غير البشري- لرعيته·
فما الداعي إذن إلى استعمال هذه العبارة في خطابنا المعاصر؟
من الواضح أن الذين يستعملون هذه العبارة يقعون خارج إطار ما تشير إليه، أعني أنهم ليسوا من الفاعلين ولا من المنتمين إلى الجماعة أو الجماعات التي توظف الدين في مواقفها وآرائها السياسية والاجتماعية· ومع ذلك فعبارة الإسلام السياسي أقرب إلى الحياد من عبارات أخرى مثل الأصولية بمعناها الغربي ,msilatnemadnuf ,emsirgétni أو الإرهاب msirorretz ··· كما أنها حيادية بالقياس إلى الأوصاف التي تطلقها عليها هذه الجماعات مثل الصحوة الإسلامية ، بل الأسماء التي تتسمى بها هذه الجماعات نفسها، مثل جماعة التكفير والهجرة و السلفية الجهادية ··· إلخ·
ومع أنه يقال عادة لا مشاحة في الأسماء ، إشارة إلى أن المهم هو الاتفاق على المضمون، فإن الاختلاف في تسمية الظواهر والوقائع كثيرا ما يدل على وجود خلفيات إيديولوجية أو دوافع ذاتية تجعل صاحبها يفضل هذا الاسم أو ذاك، وأحيانا يناضل في سبيل إقراره كما يناضل الناس عادة من أجل الرموز التي يتمسكون بها· ورغبة منا في تجنب الوقوع في شباك خلفيات من هذا النوع سنستعمل عبارة الإسلام السياسي فقط لأنها أقل انحيازا من غيرها· أكيد أننا لا ندعي لها الحياد ، لأن التسمية، أيا كان الشيء الذي تطلق عليه تحمل مضمونا معينا زائدا على مجرد الإشارة الذي يقصد عادة بعملية التسمية· فالتسمية باللغة الطبيعية هي، كيفما كانت، إطلاق وصف زائد على كيان المسمى· من أجل ذلك اختار علماء الرياضيات استعمال الحروف كـ(رموز) في عملياتهم طلبا ليس للحياد فحسب، بل والتعميم أيضا·
انطلاقا من هذه الرغبة في تجنب أسماء الأحكام على الظاهرة التي نحن بصددها، مثل الأصولية الإرهاب أو الصحوة و الجهادية ··· إلخ، سنستعمل عبارة الإسلام السياسي · أما مسألة العلاقة بين الإسلام والسياسة في هذه العبارة أو في غيرها من العبارات فتلك مسألة أخرى· غير أنه لابد من التنبيه إلى أنه ليس هناك ما يبرر تخصيص هذه العبارة بجعلها تشير فقط إلى الحركات التي تعمل من أجل الإصلاح وتقوم بمعارضة سياسية واجتماعية رافعة لشعار الإسلام؛ ذلك لأن كثيرا من أنظمة الحكم في العالم العربي والإسلامي، تمارس هي الأخرى نمطا آخر من الإسلام السياسي بتبريرها للوضع القائم الذي ترعاه وتنميه والبعيد، قليلا أو كثيرا، عن الإسلام وتعاليمه وقيمه·
والحق أنه من غير الإنصاف إغفال هذا الوجه الآخر، في مضمون عبارة الإسلام السياسي · وللتذكير فقط نشير إلى أن وسائل الإعلام في الغرب بل وصانعو القرار ومنفذوه في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لم يترددوا في التصريح، خلال العقود الماضية، بأنهم مع إس