الخليج بين حربين... خاسرة ومتوقعة
تبدو المنطقة مترقبة وفاقدة لتوازنها، بل ربما في أجواء حرب. وهي التي ما برحت تعيش تداعيات حرب مكلفة في العراق وتتحضر لحرب قادمة مع إيران، في إقليم مضطرب ملَّ الحرب والعسكرة. وفيما تستمر وتيرة المساجلات في المشهد السياسي الأميركي وسط خلافات علنية بسبب إصرار "الديمقراطيين" على سحب القوات الأميركية من العراق، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش يكرر تحذيره للأميركيين والعرب ودول جوار العراق من أن خسارة أميركا في العراق ستكون مهددة للأمن والاستقرار وحتى لوجودنا! كما حذرَنا وزير دفاعه روبرت غيتس في زيارته إلى المنطقة من العواقب الوخيمة لتحول العراق إلى دولة فاشلة على الشرق الأوسط والخليج. وفي هذا الوقت تتجه واشنطن لبناء جدار حول الأعظمية لفصل السُّنة عن الشيعة، في خطوة لها دلالتها وانعكاساتها الخطيرة على وضع العراق ومستقبله.
وقد شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة مزيداً من التوتر والاحتقان. وهناك عوامل عديدة تتفاعل وتضغط لزيادة ذلك الاحتقان. ومن يتابع الموقف في واشنطن حيث بدأ "الديمقراطيون" الحديث عن خسارة الحرب، وفي العراق حيث تتردى الأوضاع يومياً من سيئ إلى أسوأ مما يدفع إلى الانزلاق نحو حرب مذهبية لا رجعة عنها... يدرك خطورة الموقف. ففي آخر تطورات التفكك العراقي والفرز المذهبي، أعلنت "دولة العراق الإسلامية" عن تشكيل أول "حكومة"، كما قامت بإعدام أكثر من عشرين رجل أمن لتعاونهم مع "الطاغوت"! تزامن ذلك مع زيارة وزير الدفاع الأميركي وتحذيره من أن التزام بلاده في العراق ليس بلا نهاية. في هذه الأثناء يستمر بوش في الحديث عن الحرب العالمية على الإرهاب، وعن العراق باعتباره جبهتها الرئيسية.
وفي الجانب الآخر، هناك المؤسسات الدولية وبعض المسؤولين الأميركيين السابقين الذين يرسمون صورة سوداوية للمستقبل في العراق. فقد استبعد قائد قوات المنطقة الوسطى الأميركية السابق أنطوني زيني أي حل في العراق خلال السبع سنوات القادمة. وانتقد عدم وجود استراتيجية أميركية في الشرق الأوسط.
وكان تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد رسم صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية التي يعيشها العراقيون، والذين تحولوا إلى لاجئين بالملايين داخل وخارج بلدهم حيث يفر شهرياً 50 ألف عراقي من بيوتهم دون عودة.
أما إيران، المستفيد الرئيسي من كل ذلك، فتستمر في جر المنطقة نحو مزيد من التصعيد؛ من تخصيب اليورانيوم إلى عدم السماح للمفتشين الدوليين بدخول منشأة "آراك". وهي لا تكف عن تبادل الاتهامات مع واشنطن، وآخرها تزويد المقاتلين الشيعة والسُّنة في العراق بالسلاح، بل وتصديره إلى أفغانستان أيضاً... حيث هددت واشنطن بتشديد العقوبات على طهران. مقابل ذلك يأتي الرد الإيراني عبر تدريبات عسكرية والتهديد بقطع يد المعتدي واستعراض الأسلحة والصورايخ المختلفة وطائرات الاستطلاع، وقولها إنها مكتفية ذاتياً في المجال العسكري، وإن قواتها جاهزة للرد والدفاع.
في مقابل ذلك يؤكد "غيتس" أنه يجب ألا تغيب نوايا وطبيعة البرنامج النووي الإيراني عن أذهان قادة المنطقة. وظهرت تعليقات السيناتور ومرشح الرئاسة "الجمهوري" جون ماكين عن قصف إيران، رغم أنها أتت في سياق المزاح، لكنها تركت آثاراً غير إيجابية.
في ظل حربين؛ مستمرة نازفة في العراق ومتوقعة مع إيران، تبدو منطقة الخليج وسط أجواء الحربين قلقة ومتخوفة. وذلك ما عكسته تصريحات أكثر من مسؤول خليجي، وضمنها مناقشة مجلس الأمة الكويتي استعدادات الدولة لمواجهة مخاطر حرب محتملة بسبب الملف النووي الإيراني، وذلك وسط مخاوف حقيقية من تحول الخليج إلى مسرح وضحية بين نار الحرب الأميركية والانتقام الإيراني. والمؤلم أننا كدول نبقى الأكثر تأثراً من تداعيات العراق ومن تفجر حرب مع إيران دون القدرة على التأثير في أي منهما. حيث لا نملك الكثير من الخيارات ولا القدرات، لكن علينا منعها بكل ما نملك من قدرات وعلاقات وتأثير على الأطراف المعنية. لأن البدائل هذه المرة ستكون كارثية وغير مسبوقة.