حديث الديمقراطية والإصلاح في الصين
مِثل أمطار الربيع التي تكسو الأرض الظمأى بكساء أخضر، بعث زعماء الصين الذين اقتربت ولاياتُهم ذات الخمس سنوات في السلطة من نهايتها، بإشارات تفيد بأنهم يرغبون في رؤية بلدهم أكثر ديمقراطية. فقد نشرت صحف الحزب الشيوعي وقنوات الإذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة مؤخراً سيلاً من تعليقات ومقالات مسؤولين وأكاديميين متقاعدين حول "إصلاح النظام السياسي" والحاجة إلى "ديمقراطية اشتراكية"، ومن ذلك دعوة جريئة للصين كي تحاكي أسلوب الحكم الديمقراطي السويسري.
وفي هذا الإطار، يفيد مسؤولون من الحزب بأن كبار المسؤولين سمحوا بنشر تأملات "لو دينجيي" السياسية المطالِبة بالديمقراطية، والتي دعا فيها إلى تغيير سياسي قبل وفاته قبل نحو عشر سنوات. كما تحدث رئيس الوزراء "وين جياباو" مطولاً في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي بُث على شاشات التلفزة حول قيمة الديمقراطية، وتعهد أثناء الزيارة التي قام بها إلى اليابان وكوريا الجنوبية مؤخراً باتخاذ خطوات نحو الانفتاح السياسي.
والواقع أن الصين ليست بصدد تبني الديمقراطية على النمط الغربي، ولو نظرياً. إلا أن مسؤولين حزبيين وخبراء سياسيين يرون أن الرئيس "هو جينتاو" وزعماء آخرين كبار يسعون، عبر السماح بجولة مفتوحة نسبياً للنقاش السياسي، إلى تقديم أنفسهم للجمهور في صورة تقدميين منفتحين على طرق تحسين أداء الحكومة والحد من الفساد.
ولعل "جينتاو" يسعى من وراء ذلك أيضاً إلى حشد دعم المثقفين وأعضاء الحزب الأصغر سناً في أفق اجتماع مهم للحزب مرتقب الخريف المقبل، وهو الوقت الذي تنتهي فيه ولايات معظم المسؤولين الكبار الذين بدأوا حملة داخل الحزب للدفاع عن المواقف الشخصية والإيديولوجية التي يفضلونها.
ويقول المدافعون عن تغيير سياسي سريع إنهم يأملون أن يعمل "هو"، الذي يُتوقع أن يُعاد انتخابه زعيماً للحزب الشيوعي لولاية ثانية من خمس سنوات، على توسيع استعمال الانتخابات بدلاً من الاعتماد بشكل حصري تقريباً على التعيينات داخل بنية الحزب. بيد أنه حتى هذه الخطوة المحدودة نحو انتقال السلطة تظل خطوةً دقيقة وصعبة للغاية؛ حيث يزعم القادة الصينيون أن دولة الحزب الوحيد لطالما انتهجت الديمقراطية على اعتبار أنها تحكم باسم الشعب، كما أنهم لم يُبدوا أي مؤشر على استعدادهم للتنازل عن أي سلطة سياسية.
بل حتى بعض كبار المثقفين الصينيين الذين يفضلون التعددية السياسية يميلون إلى تعريف الديمقراطية على نحو "ذرائعي" -كقوة يمكن أن تساعد زعماء الحزب على البقاء على اتصال مع الشعب- بدلاً من اعتبارها جوهر نظام سياسي جديد يختار فيه الشعب زعماءه في انتخابات حرة.
وحسب مسؤولين من الحزب الشيوعي، فقد انتقد "هو" بشدة، في وثيقة حزبية داخلية صدرت العام الماضي، الحكومةَ الشيوعية الفيتنامية على خلفية ما اعتبره انتقالاً متسرعاً من جانبها إلى ما يسمى بالديمقراطية داخل الحزب. كما جادل بأن الحزب الشيوعي في الصين اضطر إلى الحفاظ على قدر كبير من الانضباط والصرامة تفادياً لصعود شخصية مثل الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف الذي يتهمه الشيوعيون الصينيون بخيانة الاشتراكية.
والحال أن بعض المسؤولين الكبار الآخرين، مثل زميل "هو" الأكثر نفوذاً في بنية الحزب، نائب الرئيس "زينج كينجهونج"، يدفعون في اتجاه زيادة عدد المسؤولين الكبار الذين يشاركون في اختيار خلف لـ"هو" الذي من المرتقب أن يتقاعد عام 2012.
وعلى الأقل، يمكن القول إن السيل الأخير من المقالات التي نشرت في الصين يوحي بأن كلمتي "الديمقراطية" و"الحرية" فقدتا الطابع الذي التصق بهما باعتبارهما من التابوهات بعد القمع الدامي للمظاهرات المطالبة بالديمقراطية عام 1989، والتي قام "دينج زياوبينج" على إثرها بقمع أي حديث عن التغيير السياسي. وفي هذا السياق، يقول "لو دي"، وهو خبير اقتصادي ذو نفوذ دفع في اتجاه تعددية سياسية أكبر: "ما نراه اليوم هو تنكر لتوجه دينج زياوبينج الذي كان يرى أن على الحزب أن يركز حصرياً على التنمية الاقتصادية".
و"لو" الذي تربط عائلتَه علاقاتٌ بنخبة الحزب، هو ابن "لو دينجيي"، زعيم الدعاية ونائب رئيس الوزراء في عهد "ماو" الذي فقد امتيازاته السياسية خلال الثورة الثقافية وأمضى 13 عاماً في السجن. غير أن أفكار "لو دينجيي" حول الديمقراطية والحرية نشرت هذا الأسبوع في دورية الحزب "بانهوانج تشونكيو"، مثلما سجلها "لو دي" قبل وفاة والده عام 1996.
ويقول "لو"، وهو مستشار السياسة الاقتصادية لدى الحكومة الصينية: "أعتقد أن هو جينتاو ووين جياباو يحاولان فهم تفكير زعماء حزبيين سابقين ممن فهموا أن التغيير السياسي والتغيير الاقتصادي ينبغي أن يتما يداً في يد"، مضيفاً: "وبطبيعة الحال، يجب أن يتم ذلك خطوة خطوة؛ فلن تكون ثمة قفزة كبيرة واحدة".
ويرى العديد من المحللين أن الحديث الجاري عن الديمقراطية في الصين اليوم لا يمكن النظر إليه خارج سياق المؤتمر. وفي هذا الإطار، تقول بوني غليزار، الخبيرة في الشؤون الصينية بـ"مركز الأمن والدراسات الدولية" في واشنطن: "قد يؤشر هذا الأمر إلى اختلافات في القمة، أو إلى ضغوط مجموعة ترغب في اغتنام الفرصة للإعلان عن آرائها عشية انعقاد المؤتمر"، مضيفة: "وقد يكون مجرد جزء من التنافس على المراكز السياسية". ولا تعتبر غليزار سيل المقالات مؤشراً على أن الصين بصدد التحول إلى ديمقراطية، على الأقل على النحو الذي يُفهم به هذا المصطلح في الغرب إذ تقول "لست واثقة أن ذلك يعني أن الإصلاح السياسي بات ضمن أجندة الزعماء الصينيين".
جوزيف كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراسل "نيويورك تايمز" في بكين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"