سِجال حول مناظرة روايال – بايرو... واستقطاب حاد في حملة الدور الثاني! تداعيات مناظرة روايال – بايرو أمس السبت، والمطلوب من رئيس فرنسا المقبل عمله في الشرق الأوسط، وخطة أردوغان المزدوجة في تركيا، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية. عاصفة ما قبل المناظرة: المناظرة التي جرت أمس بين المتأهلة الاشتراكية للدور الثاني من الرئاسيات الفرنسية سيغولين روايال وزعيم "الوسط" فرانسوا بايرو الذي حل في المرتبة الثالثة وخرج من السباق، سبقها جدل كبير، واتهامات أكبر، اكتسحا افتتاحيات الصحف الفرنسية طيلة الأسبوع المنقضي، وحولا انطلاق حملة الدور الثاني إلى مواجهة "بلا رحمة". ففي صحيفة لوفيغارو كتب ألكسيس بريزيه افتتاحية حادة اللهجة ليوم أمس (السبت) وجاءت بعنوان: "الوسط المعتوه" قال فيها إن بايرو انتقل بسرعة من شعاراته العائمة خلال حملة الدور الأول كالحديث عن "تغيير النمط السياسي"، و"مصالحة فرنسا باتجاهيها السياسيين"، و"إنهاء الحرب الأهلية الباردة"، ليقحم نفسه الآن في سباق الشوط الثاني الذي لم يتأهل إليه أصلاً. والأخطر أنه انخرط بسرعة ودون تبصُّر في فيلق مناهضي مرشح اليمين نيكولا ساركوزي، الذي كال له كل التهم باعتباره "ديكتاتوراً مبتدئاً، و"ابناً خفياً لبوتين وبرلسكوني. بل وصورة أخرى من شاوسيسكو وبينوشيه"... ثم انطلق يكيل التهم جزافاً للصحافة والقنوات التلفزيونية بل حتى للصحف الجهوية بادعائه أنها تعمل تحت إمرة ساركوزي وترفع رايته. لماذا؟ لأنه زعم أن ضغوطاً مورست على وسائل الإعلام لمنع تنظيم مناظرته مع روايال، وهي مناظرة تنضاف إلى قراره يوم الأربعاء الماضي بعدم اتخاذ قرار بدعم أي من المتأهلين. وأكد الكاتب أن بايرو قطع بذلك أية صلة تربطه بتقاليد "الوسط" السياسي الفرنسي الرخو عادة، وارتمى الآن في أحضان "وسط" جديد معتوه. أما روايال نفسها فقد وقعت في الفخ الذي استدرجها إليه بايرو، ودللت بذلك على قصور وعيها السياسي، حين مدَّت رقبتها لاستقبال مثل هذه "القبلة القاتلة" التي عرضها عليها بايرو الساعي لـ"وراثة" جمهور حزبها وضمه لما قال إنه مشروع "حزب ديمقراطي" يعمل هو على تأسيسه. وفي معسكر ساركوزي دائماً كتب أمس وزير الخارجية فيليب دوست بلازي "رسالة مفتوحة إلى الوسطيين" حاول فيها إقناع ناخبي بايرو بأن ساركوزي هو الوحيد القادر على الاستجابة لمطالبهم بـ"إحداث التغيير" في فرنسا. أما في المعسكر الآخر وفي صحيفة ليبراسيون (أول من أمس) فقد كتب "لوران جيفرين" افتتاحية اعتبر فيها أن ما يشبه "زواج الأفكار" بين "الوسط" و"اليسار" الاشتراكي –لو كتب له الظهور- يؤكد ما ظل بايرو يردده باستمرار من أن تياره ليس ملحقاً سياسياً بـ"اليمين"، ولكن الأهم هو أن ينعكس ذلك على تطوير طرح كلا الاتجاهين، خاصة لجهة "تحديث" الطرح الاشتراكي فيما يتعلق بالتزامات الدولة المتضخمة. كما كتب "رينو ديلي" افتتاحية أيضاً في ليبراسيون (أمس)، تهجم فيها على ساركوزي ونزعته التسلطية ورغبته في شغل وظائف وعناوين سياسية عديدة، ونزوعه إلى "التمدد" في كل الاتجاهات. من جانبها ركزت لوموند في افتتاحيتها على محاولة ساركوزي منع حوار بايرو وروايال معتبرة أنها –إن صحت- إساءة حقيقية لحرية التعبير، ولتقاليد الديمقراطية الفرنسية. أما في افتتاحية صحيفة لومانيتيه الشيوعية فقد دعا باتريك آبل مولر ناخبي بايرو السبعة ملايين إلى أن يصوتوا لصالح اليسار دون قيد أو شرط وذلك للخطر الماحق على فرنسا في حال وصول كساركوزي إلى السلطة، وذلك لأنه رجل خطير ومتسلط وحاقد وكاره للنقابات وللطبقة العاملة وللفقراء. أما في التعليق على مجريات الحوار نفسها بعد اكتماله يوم أمس فقد تفاوتت العناوين والتقييمات من صحيفة لأخرى. لوموند اعتبرت أن المتناظرين "اختلفا حول التعديلات الدستورية، وتخالفا حول الاقتصاد". ولوفيغارو قالت: "بايرو وروايال... نحو نهاية طريق مشتركة"، ولونوفل أوبسرفاتور: "بايرو لن يدعم روايال... ولكن"! غير أن بايرو نفسه آثر الاستمرار في لعبة التشويق حين لم يعلن رسمياً دعمه لأي من المترشحين مدعياً أنه في انتظار رؤية المناظرة بينهما يوم الأربعاء القادم 2 مايو، وبعد ذلك... سيقرر. ضرورة التحرك في الشرق الأوسط: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوفيغارو مقالاً كتبته مجموعة دبلوماسيين مقترحة فيه على الرئيس الفرنسي القادم خطوطاً عريضة لتحرك سياسي ضروري وعاجل فرنسياً وأوروبياً لتهدئة أزمات الشرق الأوسط. ويبدأ المقال بقرع أجراس الخطر على النحو الآتي: خمسة أعوام ونصف على هجمات 11 سبتمبر، وحصيلة "الحرب على الإرهاب" تبدو قاتمة. فالشرق الأوسط والمغرب العربي، ملتهبان. والمعارك طاحنة في أفغانستان حيث عاد أباطرة الحرب و"طالبان" إلى الواجهة مجدداً، وفي العراق وصل الدمار السياسي والإنساني حدود الارتماء في غيابات حرب أهلية. هذا مع الإشارة إلى حالات الصراع والاحتقان الخطير في كل من لبنان وفلسطين، والصومال، بل حتى في باكستان، ومنطقة المغرب العربي والصحراء الكبرى. وفي نزاعات واحتقانات كل هذه الأزمات يزداد دور وخطر "الفاعلين غير الدول"، بحيث أضحى التعامل مع ذلك بمنطق القوة العسكرية وحده أمراً غير كافٍ، كما أثبتت ذلك حرب لبنان الأخيرة. ومن ثم فإن تحدي منع "صوملة" المنطقة كلها بات جديراً بأن تنخرط فرنسا وأوروبا في جهود جادة إزاءه. إنها حالة مستعجلة إذن لابد من وضعها على رأس سلم أولويات الرئاسة الفرنسية الجديدة، لأن فرنسا وأوروبا هما الأكثر روابط من الناحيتين التاريخية والجغرافية مع الشرق الأوسط، وهما بالتالي الأكثر تضرراً من استمرار الصراعات ومن خطر تمددها لتشمل عموم الفضاء المتوسطي. ويدعو كُتاب المقال إلى الانطلاق من النزاع العربي- الإسرائيلي، لأنه هو عقدة جميع الصراعات في عموم المنطقة، كما يعد تحقيق أية تسوية عادلة فيه كلمة سر لإطفاء جميع حرائقها. خاصة أن رئيس –أو رئيسة- فرنسا الذي سيأتي في الأسابيع المقبلة يمكنه البناء على هرم كبير من الإنجازات والعلاقات الشخصية الراقية التي بناها الرئيس المنصرف جاك شيراك في عموم الشرق الأوسط. وهي العلاقات التي زادت من رصيد فرنسا في نظر شعوب وحكومات المنطقة، والتي حافظت أيضاً على حرية القرار الوطني الفرنسي، ولعبت دوراً كبيراً في عدم تحول حرب العراق إلى "صراع حضارات". الرئاسيات التركية: مجلة لونوفل أوبسرفاتور اعتبرت أن التجاذب الذي تعرفه أنقرة حول ترشيح وزير الخارجية والرجل الثاني في حزب العدالة والتنمية الحاكم عبدالله جول لمنصب الرئاسة، ليس طرفاه فقط سياسيان وهما الحكومة والمعارضة، بل إن ثمة طرفاً آخر فاعلاً وبدأ يلمِّح إلى أنه قد يتدخل بطريقة فجة في الأمر، ألا وهو الجيش التركي. فتحت لافتة "حماية العلمانية" بدأ جنرالات المؤسسة العسكرية التركية التلويح باحتمال تدخل حاسم من قبلهم في موضوع اختيار رئيس الجمهورية، خاصة أن العديد من أولئك الجنرالات يعتبرون أن وصول نائب أردوغان إلى سدة الرئاسة سيراكم كل السلطات في يد حزبه الإسلامي، تمهيداً لأسلمة المشهد السياسي برمته على حساب مبادئ أتاتورك. غير أن المجلة تستبعد مع ذلك احتمال تدخل قيصري من قبيل "الانقلاب"، لأن مطامح الأتراك للالتحاق بالبيت الأوروبي تحول دون عودة عهد الانقلابات. وفي صحيفة لوموند جاءت افتتاحية بعنوان: "الرئاسيات التركية" حلل كاتبها دوافع أردوغان إلى الدفع بنائبه ليخلف العلماني نجدت سيزر في الرئاسة، مؤكداً أن حزب العدالة والتنمية يلعب لعبة مزدوجة، فهو يضغط بأوروبا و"شروط العضوية" على العسكر لإبعادهم عن الانغماس في الشأن السياسي، ولكنه في الوقت نفسه لا يضع في حسابه أن حماية العلمانية هي المدخل الصحيح للمشروع الأوروبي. أما في مجلة الأكسبريس فنجد مقابلة مع جان فرانسوا بايار، وهو باحث فرنسي مرموق، يذهب فيها إلى أن مصدر المشاكل في تركيا ليس شيئاً آخر سوى القوميين المتشددين. إعداد: حسن ولد المختار