مجلس الأمن... هل أصبح عاجزاً عن تقرير مصير كوسوفو؟
أكملت لجنة تقصي حقائق تابعة لمجلس الأمن الدولي، مهمتها التي استغرقت مدة يومين، في إقليم كوسوفو، يوم السبت الماضي، وسط جدل مشحون بالتوترات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، حول مستقبل الإقليم. وجاب ممثلو مجلس الأمن الدولي -بمن فيهم السفراء- أنحاء الإقليم المختلفة، حيث التقوا عدداً من أعضاء الأغلبية العرقية الألبانية، وممثلين للعرقية الصربية، بهدف تكوين صورة أفضل وأكثر وضوحاً لما يجب أن تكون عليه الخطة المعنية بضمان استقلال الإقليم. يُشار إلى أن "مارتي أتيساري"، المبعوث الخاص للأمم المتحدة بشأن الوضع المستقبلي للإقليم، هو من وضع الخطة المذكورة. غير أن "جون فيربيك"، رئيس الوفد الأممي المشار إليه، وسفير بلجيكا لدى الأمم المتحدة، أشار يوم السبت الماضي إلى أن مجلس الأمن لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوقت، كي ينظر في الخطة المقترحة هذه. وأردف قائلاً: إن اتخاذ القرارات بشأن المسائل الكبيرة والمصيرية، لا ينبغي له مطلقاً أن يخضع للجداول الزمنية المحددة سلفاً. فمثل هذه المسائل عادة ما تحتاج إلى ما يكفي من الزمن والمساحة الطبيعية، حتى يسود الشعور بالارتياح العام بين أعضاء المجلس، لدى اتخاذهم القرارات النهائية المتعلقة بها. غير أن مسؤولين من الولايات المتحدة، المتوقع لها أن تتولى دورة رئاسة المجلس في شهر مايو المقبل، قالوا إنه في وسع المجلس التصويت على مشروع قرار بشأن مصير إقليم كوسوفو خلال مدة وجيزة لا تتجاوز بضعة أسابيع. لكن وخلافاً لأميركا وحلفائها من الأوروبيين الذين يريدون للخطة أن تطبق على جناح السرعة، فقد واصلت موسكو مساعيها الهادفة إلى بدء مفاوضات جديدة بين المجموعتين العرقيتين الألبان والصرب، إلى جانب تلويحها باحتمال ممارستها لحق النقض "الفيتو" على خطة السيد "أتيساري". ومن جانبه لم يشر مجلس الأمن الدولي بعد، إلى استعداده لعرض تلك الخطة للتصويت عليها. ووفقاً للخطة المذكورة، فسيؤمن لإقليم كوسوفو نيل استقلاله، شريطة أن يكون ذلك تحت إشراف بعثة أوروبية، تكون مهمتها مراقبة صيانة حقوق الأقلية العرقية الصربية في الإقليم. وعلى رغم الاعتراف الدولي باستقلال الإقليم عن جمهورية صربيا، فإنه ظل خاضعاً من الناحية الإدارية، للبعثة الدولية التي واصلت إقامتها فيه منذ يونيو من عام 1999. وكانت صربيا قد أرغمت على التنازل عن سلطتها في الإقليم، إثر حملة قصف جوي استمرت لمدة 78 يوماً بقيادة حلف "الناتو"، على إثر اتهام قوات الأمن اليوغوسلافية التي تهيمن عليها العرقية الصربية، بارتكاب فظائع واسعة النطاق بحق أفراد الأغلبية العرقية الألبانية.
وكان "أتيساري"، قد واصل إجراء مفاوضات مستمرة طوال العام الماضي، بين قادة المجموعتين العرقيتين، الألبان والصرب حول مستقبل إقليم كوسوفو، غير أن تلك المفاوضات التي شهدتها مدينة فيينا، قد وصلت إلى طريق مسدود في شهر فبراير الماضي. والسبب هو تمسك الألبان باستقلال الإقليم، بينما تعارض جمهورية الصرب، وكذلك الأقلية العرقية الصربية في الإقليم، تلبية ذلك المطلب الألباني. وعليه توصل "أتيساري" إلى أن الخيار الوحيد لحل ذلك النزاع، هو فرض حل لمعضلة مستقبل الإقليم. ولم يكن ذلك الحل الذي رآه، شيئاً آخر سوى مشروع الخطة التي وضعها أمام مجلس الأمن الدولي. وفي ردة فعل منها على تلك الخطوة، طالبت روسيا -بصفتها حليفاً لصربيا- مجلس الأمن الدولي بإرسال لجنة تقصي حقائق إلى الإقليم، دافعة في ذلك بحجة أن المجلس لم يتعرف بعد إلى حقائق الواقع على الأرض. وفي التصريح الذي أدلى به السيد "فيربيك" رئيس لجنة تقصي الحقائق المذكورة، أشار إلى عدم استعداد بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي على الأقل، للتصويت على الخطة المقترحة، في الوقت الحالي، أو في أي وقت قريب من الآن.
ويرى مسؤولون من الأمم المتحدة، ممن كانوا حضوراً في الاجتماعات واللقاءات التي جمعت بين السفراء والساسة المحليين بالإقليم، إن "دوميساني كومالو"، ممثل جنوب أفريقيا في تلك الاجتماعات، أبدى تحفظاته صراحة إزاء السرعة التي تنوي بها الأمم المتحدة تنفيذ خطة "أتيساري" المقترحة لتسوية النزاع القائم حول مستقبل الإقليم. كما أضاف السيد "كومالو" قائلاً إنه لم تعرض على مجلس الأمن الدولي، أية خطط أو خيارات أخرى بديلة لتلك الخطة.
على أن انتقادات روسيا لتلك الخطة بالذات، قد بدأت بالتصاعد خلال الأسبوع الماضي، إلى حد هدد فيه "فلاديمير تيتوف"، نائب وزير خارجيتها، بأنها -أي الخطة- لن تمر عبر مجلس الأمن الدولي. وبحكم كونها إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فإنه يحق لروسيا الاعتراض، أو حق النقض "الفيتو" على أي من قرارات المجلس. وفي الاتجاه نفسه، صرح "فيتالي شيركين" سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، قائلاً إنه يتعين النظر في الاقتراح الصربي لحل النزاع، الداعي إلى منح إقليم كوسوفو نوعاً من الاستقلال الذاتي، على أن تحتفظ بلجراد ببعض الصلاحيات والسلطات على الإقليم. واستطرد "شيركين" إلى القول إنه يجب النظر في ذلك المقترح، على أساس بدء مفاوضات جديدة بين الطرفين، الصرب والألبان.
وضمن ما تعرف إليه وفد السفراء في قرية "سفينجاري" الصربية في الإقليم، بعض المنازل التي أحرقها أفراد من الأغلبية العرقية الألبانية، خلال أعمال الشغب التي اجتاحت الإقليم في مارس من عام 2004، حيث اضطر نحواً من 4 آلاف صربي إلى الفرار من هناك. وعلى رغم أن الحكومة الألبانية أعادت بناء المنازل المحروقة، فإنه لم يعد من الهاربين من أصحابها سوى واحد فحسب. وفي المقابل اطلع الوفد أيضاً على قرية ألبانية، أطلق فيها الصرب النيران وصرعوا نحواً من 113 رجلاً وصبياً، ثم أحرقت بعد ذلك، على يد قوات عسكرية صربية في 26 مارس من عام 1999.
ــــــــــــــــــــــ
مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في برشتينا - كوسوفو
ــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"