المعاناة ظاهرة مشتركة بين كل مواطني العالمين العربي والإسلامي، تسود التعامل مع المؤسسات الرسمية· كل معاملة رسمية يقوم بها أي إنسان في هذين العالمين هي بمثابة يوم من الجحيم والتعب والقهر، وخاصة حين تضطر إلى التعامل مع وزارة الداخلية· خلافاً للعالم الغربي حيث كل شيء يتم من خلال البريد العادي أو الإلكتروني، تسير المعاملة الحكومية في عالمنا العربي على ظهر بغل مريض يسحب رجليه سحبا· ووفقاً لما نسمع يقولون إن الوضع في إمارة دبي ليس كذلك· ولكن هذا إن صح، ليس سوى استثناء شاذ لا يقاس عليه· وكلما تضخم الجهاز الحكومي، كلما تعقدت البيروقراطية وزادت المعاناة، لأن ازدياد الحجم يعني أوراقاً رسمية أكثر بسبب تعدد الدوائر وتعدد التوقيعات الرسمية، حتى أصبح الوضع عندنا شيئاً لا يطاق· من يصدق أن عملية تسجيل الشهر العقاري في بلد عريق مثل مصر تستغرق ما بين ستة أشهر إلى سنة؟ وأن كمية الأوراق الرسمية التي يحتاجها المواطن أو المقيم لطلب خادم أو التحاق بعائل شيء لا يصدق في الكويت، ناهيك عن مشكلة الطوابع المالية التي غالباً لا توجد في المؤسسة ذاتها·
أعتقد أن وضع المواطن والمقيم في مثل هذه المعاناة المصطنعة أمر متعمد من قبل الحكومات، وذلك حتى ينشغل الإنسان طوال اليوم بتخليص هذه المعاملات· بل هذا الوضع يفسر تجاهل الحكومات لانتشار ظاهرة الرشوة في المؤسسات الحكومية، وكذلك انتشار المكاتب الخاصة لتخليص المعاملات الرسمية· وإذا ما ظل الإنسان منشغلاً على مدار العام بمثل هذه التفاهات، فإنه بالكاد سيجد الوقت المتبقي لمشكلاته الخاصة العائلية أو في العمل أو لمواجهة متطلبات الحياة التي لا تنتهي· لذلك فإن أسعار الخبز عند المواطن أهم من الدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان بعضها على بعض· وعدم الالتفات إلى هذه القضايا المصيرية أمر يريح الحكومات من وجع الرأس وصداع المطالب السياسية والمحاسبة الدائمة· ولهذا نجد في عالمنا العربي أن النواب الذين تم انتخابهم لحماية الدستور والحقوق الإنسانية ومراقبة العمل الحكومي، قد انشغلوا بدورهم عن هذا العمل المهم الذي هو أصل وجودهم في البرلمان، بالعمل على التوسط لناخبيهم في مختلف المؤسسات الرسمية، وليذهب الدستور الذي نص على المساواة والعدل إلى الجحيم·
لذلك حق لموشي ديان -وزير الدفاع الإسرائيلي الراحل- أن يقول ما معناه، سأخاف من العرب إذا رأيتهم يقفون في الدور، لأن عملية الوقوف في الدور دليل وعي وإحساس بالمسؤولية ودلالة قاطعة على احترام القانون وعدم السماح للنفس بتجاوز الآخرين· وبسبب المعاناة التي يعيشها المواطن في بلده يضطر هو ونائبه في أحيان كثيرة إلى تجاوز القانون وبالتالي تجاوز حقوق الآخرين، ومن ثم انهيار المنظومة القانونية على المستوى الاجتماعي العام· وللأسف أن هذا الوضع غير قابل سواء للتعديل أو الزوال، بقدر قابليته للمزيد من التعقيد مع تضخم المؤسسات وارتفاع نسبة البطالة المقنعة وكثرة المديرين· لذلك الأمر أشبه بالحلقة المفرغة التي لن تصل إلى نهايتها·
من لطيف المعاناة في الكويت مثلاً، أنك تحتاج إلى واسطة لكي تدفع غرامة المرور!!