قراءات اللقاء الإيراني- الأميركي
بعد قطيعة استمرت سبعاً وعشرين سنة، ومنذ قيام الثورة الإيرانية حتى الأسبوع الماضي، لم يلتق الإيرانيون مع الولايات المتحدة الأميركية لأنها "الشيطان الأكبر" كما أسماها قائد الثورة الراحل آية الله الخميني. في بغداد وتحديداً يوم الاثنين الماضي التقى سفيرا البلدين في العراق لأول مرة "علناً" لمدة استمرت أربع ساعات. كان اللقاء العلني الأول على اعتبار أن أكثر الغافلين غفلة يعرف أن الاتصال بين أميركا وإيران لم ينقطع منذ الإعلان عن القطيعة. فما كان لأزمة الرهائن أن تنتهي عام 1981، دونما لقاء مباشر، وما كان لفضيحة "إيران- كونترا" أن تكون عام 1987، دون لقاءات لاتينية- كاريبية- ولندنية بين الإيرانيين والأميركيين، فقد كانت شعارات المظاهرات التي تطالب بالموت لأميركا تتزامن مع اللقاءات الاستخباراتية السرية التي أجراها الطرفان على امتداد ثلاثة عقود. وقد كانت قمة التعاون والتلاقي بين الطرفين، في حرب الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان لإسقاط نظام "طالبان". فقد سمح الإيرانيون للمعدات والطيران الحربي - بل وحتى قوات خاصة- بالمرور عبر الأراضي الإيرانية لمحاربة عدو إيران الطائفي الذي سبب قلقاً طائفياً للإيرانيين خلصهم منه "العم سام" مشكوراً دون أن يدخلوا في حرب مع مجانين "طالبان".
التصريحات التي تلت اللقاء الإيراني- الأميركي لم تخرج عن عبارات التفاؤل الحذر، وقد فسر بعض المراقبين هذا التفاؤل على أنه البداية للتفاهم حول العراق.
المراقبون العرب -وبالذات الخليجيون منهم- أقلقهم التقارب الإيراني- الأميركي. قد لا يُلامون في هذا التفكير، فقد صعقوا أن أكثر الإدارات الأميركية تطرفاً ويمينية تتفاهم مع أكثر الرؤساء الإيرانيين تشدداً وتطرفاً.
كانت الرئاسة الإيرانية قد بدأت حملة علاقات عامة بدأتها في فنزويلا وأنهتها في الخليج مروراً بالسعودية والإمارات التي يشوب علاقاتها توتر لم يزل بسبب احتلال إيران لجزر طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى.
الإدارة الأميركية الحالية اعتبرت إيران أحد محاور الشر، ومع هذا فقد مدت يد التفاهم لها. بعضهم قال إن ذلك تلبية لتوصيات لجنة "بيكر- هاملتون" التي أوصت بالتفاهم مع سوريا وإيران، لكن أميركا لم تتفاهم مع سوريا بل إنها تتشدد في لصق سوريا بالإرهاب في كل شاردة وواردة. ولعل التجاهل الأميركي لسوريا نابع من قناعة لدى واشنطن بأن سوريا لم تعد تحل وتربط حتى بلبنان، وبأن اللاعب الرئيسي هو إيران وليس سوريا وبالذات في المسألة العراقية. وبأن أجندة "التفاهم" مع سوريا لن تبدأ قبل إقرار المحكمة الدولية التي أقرها مجلس الأمن ساعة كتابة هذا المقال، وتحت البند السابع الملزم بتنفيذ القرار 1757 بكل "السبل".
تزامنت الجزرة الأميركية المتمثلة في اللقاء بين السفيرين مع عصا أميركية غليظة تمثلت في الحشد العسكري غير المسبوق منذ عام 2003، والمناورات العسكرية المتكررة التي تجري على مرأى من الساحل الإيراني، ومن ثم فإن هناك من رأى في اللقاء الأميركي-الإيراني سد باب للذرائع في حال المواجهة العسكرية، "لقد ذهبنا إلى أبعد حد أو the extra mile، هذا ما قاله جورج بوش الأب قبيل شن "عاصفة الصحراء" عام 1991.
محبو السلام في المنطقة والعالم رأوا في اللقاء فرصة للتفاهم بدلاً من التصادم، وبعض رآه تفاهماً أميركياً- إيرانياً على حساب العرب في المنطقة. العرب بدورهم لا أجندة لديهم، فسوريا مهمومة بالمحكمة الدولية، ومصر غائبة لأسباب لم تعد مفهومة، والسعودية "تكاثرت الظباء على خراش"...يعني "وش تناحي!!".
بعض المتابعين لبواطن الأمور يقولون إن لقاء بغداد "زريق" في لغة أهل الصقور، وإن اللقاءات الحقيقية تمت وتتم في أماكن أخرى بعيداً عن الإعلان عنها، مثلما كانت تتم طيلة ثلاثة عقود.