"بينازير بوتو"... ومعضلة الديمقراطية في باكستان
تقوم رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة "بينازير بوتو" في هذه الأثناء بمحاولات لخلخلة الحياة السياسية في باكستان، بالحديث عبر وسطاء عن صفقة لاقتسام السلطة مع الرئيس الجنرال "برويز مشرف"، والإيحاء في أحد اللقاءات عن احتمال عودتها إلى البلاد قبل نهاية العام الحالي. فقد قررت "بوتو" البقاء بعيداً عن باكستان بسبب تهديدات القبض عليها على خلفية تهم الفساد التي تلاحقها وفضلت حياة المنفى الاختياري، بينما تقود في الوقت نفسه ما يعتبر أكبر حزب معارض في البلاد. وفي ذلك الوقت رأت كيف استطاع رئيس العمليات العسكرية السابق الذي كان تحت إمرتها ينقض على السلطة في انقلاب عسكري ويطيح بها من الحكم، وقد شهدت أيضاً وهي في باكستان تنامي الاضطرابات السياسية، بينما بدأ الشعب يتململ تحت الحكم العسكري، وبخاصة عندما أقدم برويز مشرف في الآونة الأخيرة على إقالة كبير قضاة المحكمة العليا "افتخار محمد شودري".
وقد حظي حزب "بينازير بوتو" حزب الشعب الباكستاني بحصة كبيرة من التمثيل في المظاهرات السلمية التي شهدتها مدينة "أبوتباد" تأييداً لكبير القضاة المُقال "شودري" بعد أيام قليلة فقط على سقوط أربعين قتيلاً في كراتشي، إثر المواجهات الدموية على خلفية تعليقه عمله في المحكمة العليا. وفي الوقت الذي تتجه فيه باكستان نحو الانتخابات خلال هذه السنة، يواجه الجنرال "مشرف" معارضة متصاعدة لخططه بتمديد ولايته الرئاسية لفترة ثانية. ويبدو أن "بوتو" البالغة من العمر 53 عاما تسعى إلى الترويج لنفسها باعتبارها قادرة على إنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها الحالية. وتركز رئيسة الوزراء السابقة أيضاً في التسويق لخططها على مسألة الديمقراطية الغائبة، متعهدة باسترجاع الحكم المدني والاضطلاع بدور أكثر حسما في الصراع ضد التطرف والإرهاب.
وحسب "بينازير بوتو" استطاعت "القاعدة" "وطالبان" استغلال المناطق القبلية في شمال باكستان لإعادة حشد قواتهما وتوجيه ضرباتهما إلى أفغانستان، بل وحتى إلى داخل باكستان. لذا تنتقد "بوتو" التأييد الأميركي، الذي مازال يحظى به الجنرال برويز مشرف والملايين من الدولارات التي يتلقاها على شكل مساعدات منذ 2001. وبرغم أن برويز مشرف يصر على موقفه الرافض لدخول رئيسة الوزراء السابقة إلى باكستان للمشاركة في الانتخابات، فإن الجنرال، وحسب بعض مساعديه، أجرى مفاوضات سرية للتوصل إلى صفقة تسمح لها بالرجوع مجدداً إلى البلاد على أن يحتفظ هو بمنصبه كرئيس لباكستان. وفي هذه الحالة يمكن إسقاط تهم الفساد التي وجهت في السابق لحكومة "بينازير بوتو" التي علقت على هذا الأمر قائلة "إن الجنرال مشرف يقول إنه لن يسمح لي بالرجوع إلى باكستان، وهو ما يعني أنه سيلقي علي القبض، وسيحرمني من حرية الحركة وحرية التعبير وحرية الاجتماع"، مضيفة "وفي جميع الأحوال أود أن أرجع إلى البلاد، وأنا أنتظر الفسحة الممتدة من سبتمبر إلى ديسمبر للقيام بذلك".
وصرحت رئيسة الوزراء السابقة في حفل عشاء حضره أعضاء من النخبة الحزبية وقطاع الشركات في العاصمة الهندية نيودلهي أواخر شهر مارس الماضي قائلة: "لا أعتقد بأن نظامنا الحالي استطاع فصل اسم باكستان عن الإرهاب، لكنني أعتقد بأن حكومة شعبية ديمقراطية قادرة على ذلك". ولتعزيز حظوظها قامت "بينازير بوتو" بالاستعانة بخدمات شركة متخصصة في الضغط على أصحاب القرار بالعاصمة الأميركية واشنطن. وفي شهر فبراير الماضي ألقت خطاباً في "مركز أميركان إنترابرايز" المعروف باتجاهه "المحافظ" لشرح أجندتها السياسية وحشد التأييد لها.
وفي هذا الإطار يقول "حسين حقاني"، وهو مستشار سابق لـ"بينازير بوتو" الذي يرأس حالياً "مركز العلاقات الدولية" في بوسطن بالولايات المتحدة: "يبدو أن استراتيجيتها هي السعي إلى إقناع المجتمع الدولي بأن التغييرات التي قد تطال أسلوب الحكم في باكستان، وهي التغييرات التي ستصب لصالحها في النهاية، مهمة أيضاً بالنسبة للحرب على الإرهاب". ومع ذلك لا يبدو، على الأقل في الوقت الراهن، أن إدارة الرئيس بوش تهتم كثيراً لما تقوله "بينازير بوتو". فمازال البيت الأبيض ملتزماً تجاه الجنرال "برويز مشرف"، على رغم الاحتجاجات الأخيرة ضد إدارته بعد أن أقال كبير القضاة وتصاعدت حدة المظاهرات التي أصبحت تعكس في الواقع مدى الاستياء الشعبي إزاء الحكم العسكري. ويشير المراقبون في واشنطن وإسلام أباد إلى تشكك البيت الأبيض من قدرة "بينازير" في السيطرة على الجيش وأجهزة الاستخبارات القوية في البلاد، كما يبدي قلقه أيضاً من التهم الموجهة إليها، وإلى زوجها بجني الملايين من الدولارات لتسهيلهما صفقات حكومية مع شركات خاصة عندما كانت، هي في السلطة. ويؤكد هذا الطرح "كريج كوهن"، نائب كبير الموظفين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بقوله: "لست متأكداً من أن الإدارة الأميركية ستغير موقفها من برويز مشرف فقط، لأن بينازير تنتقده، ولابد لكي يحدث ذلك من وقوع شيء جوهري في باكستان".
والأهم من ذلك حسب "كريج كوهن" أنه لا يوجد ما يدل على أن "بينازير" قادرة على انتزاع السلطة الحقيقية من يد المؤسسة العسكرية والأجهزة الاستخباراتية المتحكمة في الحياة السياسية في باكستان. وإذا كان البيت الأبيض مايزال متمسكاً بالرئيس برويز مشرف، يبقى موقف "الديمقراطيين" في واشنطن غامضاً إلى حد بعيد. وجاءت الإشارة الأولى في مطلع شهر مارس عندما وجه أربعة أعضاء من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بمن فيهم "جوزيف بايدن"، المرشح للانتخابات الرئاسية، رسالة إلى الجنرال "برويز مشرف" يحذرونه فيها من أنه من دون عودة رموز المعارضة إلى البلاد فإنه "سيكون من الصعب على المجتمع الدولي التعامل مع انتخابات 2007 على أنها تعبير صادق عن الديمقراطية".
ــــــــــــــــــــ
مراسلة "نيويورك تايمز" في باكستان
ــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"