تبدو الاجتماعات الدولية ذات الطابع الرسمي، مثل اللقاء بين قادة أكبر الاقتصادات في العالم ابتداء من يوم أمس، شبيهاً بحفلات العشاء التي تضم عائلات متخاصمة. فبالنسبة لجميع الحاضرين ينحصر الهمُّ الأول في ضمان نجاح اللقاء العائلي من دون التسبب في فضيحة، أو الخروج عن آداب اللياقة وأصولها. والحال أن ذلك يكون مفهوماً في أغلب المناسبات الرسمية، إذا غالباً ما تشكل العبارات الحذرة والمعارضة المغلَّفة بنبرة هادئة أحد العناصر الأساسية للدبلوماسية الناجحة. بيد أن هذه المقاربة تعتبر وصفة لفشل اجتماع قمة الثماني لهذا العام التي تجمع الولايات المتحدة إلى جانب سبع دولة صناعية أخرى. وفيما يتعلق بالقضية الأساسية المطروحة على أجندة القمة والمتمثلة في تغير المناخ العالمي، فإن أول خطوة لبناء توافق دولي حول الموضوع هي الاعتراف أولاً بغيابه. وقد بادر بوش قبيل التوجه إلى اجتماع القمة بإعلان استُقبل بترحيب عالمي تمثل في مضاعفة التمويل الأميركي لمحاربة الإيدز في الدول النامية، فضلاً عن رد الفعل الإيجابي الذي قوبل به قرار تشديد العقوبات على السودان لوقف العنف المتفشي في دارفور. لكن عندما يأتي دور الحديث عن الاحترار الأرضي، فإن بوش يتمسك بمواقفه المألوفة التي تعزله عن أغلب حلفائه التقليديين. فالمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" وهي محافظة مثل بوش، بالإضافة إلى معظم الأعضاء في قمة الثماني يريدون التزام المجموعة بخفض نسبة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 50% بحلول عام 2050 باعتبارها خطوة ضرورية للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية التي وصلت إلى درجين مئويتين. والأمل الذي يحدو المشاركين، كما طرحه أحد المفاوضين، هو بعث رسالة واضحة إلى المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة والرامية إلى بلورة اتفاق جديد يخلف بروتوكول "كيوتو" حول الاحترار الأرضي. لكن بوش يعارض التقيُّد بالخفض الإجباري لانبعاث الغازات، كما يرفض البيت الأبيض مقترحات لفرض التزامات على دول مجموعة الثماني باعتبارها "لا تتفق مع مقاربة الرئيس". وفي المقابل اقترح الرئيس بوش في الأسبوع الماضي الدخول في محادثات تتفق من خلالها الدول التي تنتج أكبر كمية من الغازات المسببة للاحتباس الحراري على وضع أهدافها الوطنية غير الإجبارية، وفي الوقت نفسه الاتفاق على أهداف طويلة المدى، ومرة أخرى غير إجبارية، للتقليص من انبعاث تلك الغازات. وتسعى المحادثات التي دعا إليها الرئيس بوش إلى بلوغ تلك الأهداف مع نهاية عام 2008، وهو الموعد نفسه المحدد لوكالة حماية البيئة الأميركية للاستجابة لقرار المحكمة العليا الأخير والقاضي بضبط انبعاث الغازات من المصانع ما لم تظهر حاجة قاهرة لمنع ذلك. ومع أن مقترح إجراء المحادثات الذي تقدم به الرئيس بوش يبدو وكأنه محاولة لتأخير عمل القمة وما قد تصدره من قرارات بهذا الشأن، إلا أنه من الممكن استخراج بعض النقاط الإيجابية. والمهم هو الفصل بين الشكل والمضمون، فقد انتقد العديد من المهتمين اقتراح بوش استناداً إلى الشكل الذي اتخذه. فحسب هؤلاء تتزامن المباحثات التي اقترحها بوش مع المباحثات الأممية، وهو ما سيضعف تأثيرها. لكن وكما عبر عن ذلك وزير البيئة البريطاني "ديفيد ميليباند" قائلاً: "لا يضير أن تعقد اجتماعات غير رسمية... فإذا ما تم التوصل إلى اتفاق يدعم المباحثات الأممية فإنه سيكون أمراً جيداً". والواقع أن المشكلة لا تكمن في دعوة بوش لإجراء مباحثات مباشرة بقدر ما تكمن في مضمون ما سيطرحه بوش. فالرئيس يريد مناقشة دعم الأبحاث لتطوير مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاً عن الوقود البيولوجي. لكن بالامتناع عن إقرار خفض إجباري للغازات المسببة للاحتباس الحراري يكون بوش قد أزاح إحدى أنجع الوسائل لنقل تكنولوجيا تطوير مصادر الطاقة النظيفة من المختبر إلى السوق. وهو ما يوضحه وزير البيئة البريطاني قائلاً "إن فرض سقف على انبعاث الغازات سيضغط على صناعة الطاقة والمستهلكين للبحث عن بدائل أخرى للوقود الأحفوري". وبدون وضع متطلبات تقلص من انبعاث الغازات من غير المرجح أن ينصرف العالم إلى اعتماد تكنولوجيا جديدة لتطوير مصادر الطاقة النظيفة ووضع حد للتغير المناخي. والخلاصة أنه لا مجال لإقناع الرئيس بوش بالموافقة على خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال اجتماعات قمة الثماني هذا الأسبوع. وفي هذه الحالة سيجد قادة الدول المشاركة والملتزمون باتخاذ قرارات حاسمة أنفسهم أمام خيارين: إما صياغة بيان رسمي يخفي الاختلاف وراء كلمات منمقة ولغة خشبية تتحدث عن "النقاشات الصريحة" و"الأهداف المشتركة"، أو أن يعلنوا بدون مواربة أن امتناع بوش عن فرض سقف إجباري على انبعاث الغازات أدى إلى الطريق المسدود. وعلى رغم ذلك لن يتزحزح بوش عن موقفه، لكنه على الأقل سيقدم البيان الصريح فعلاً دعماً للأصوات الأميركية سواء داخل الكونجرس، أم خارجه للمطالبة بخفض إجباري للغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولعل الطريق الأمثل لمجموعة الدول الثماني من أجل بناء شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة حول التغير المناخي هو الإقرار أولاً بأن تلك الشراكة لا وجود لها اليوم، حتى ولو أدى ذلك إلى مرور لحظات حرجة حول مائدة العشاء. رونالد براونشتاين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"