تشويه الإعلام في الخليج
تعيش الكويت هذه الأيام بوادر أزمة سياسية قادمة حول نشر مقال في جريدة "الأهرام" المصرية تناول التصعيد السياسي الجاري حالياً في الكويت بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتي -حيث اعتبر نواب مجلس الأمة أن المقال تحريض حكومي ضد المعارضة في مجلس الأمة. بعض كتاب الصحف في الكويت شنوا هجوماً قوياً ضد جريدة "الأهرام" وإدارتها، وقد ردت صحيفة "الأهرام" بأن جهة كويتية مولت الإعلان، وأن "الأهرام" ارتكبت خطأ غير مقصود ولن يتكرر. وزير الإعلام الكويتي شكل لجنة للتحقيق في ملابسات نشر هذا المقال، والجهة التي تقف خلفه، بعد أن اتهم بعض النواب جهات في وزارة الإعلام بأنها هي التي تولت نشر المقال مدفوع الأجر.
التساؤل هنا: لماذا هذه الضجة المفتعلة ضد جريدة عربية معروفة وذات انتشار قوي في مصر والوطن العربي؟ ولماذا يحتج السياسيون في الخليج سواء في الحكومة أو السلطة التشريعية على ما يكتب ضد دولهم؟ ولماذا تريد دول الخليج العربية أن تكون صورتها في الإعلام العربي والدولي دائماً إيجابية ولا تريد إبراز الوجه الآخر من الحقيقة؟ أزمة "الأهرام" مع المعارضة النيابية في الكويت فجرت حقيقة وطبيعة الإعلانات التي تستعملها دول الخليج (إعلانات مدفوعة الأجر) في الصحف العربية والأجنبية لتسليط الضوء على إنجازات الحكومات الخليجية، وحتى الدول العربية الثورية والاشتراكية اتبعت هذا الأسلوب الإعلاني، حيث تدعو هذه الدول خصوصاً وزارة الإعلام الصحفيين العرب والأجانب وتستضيفهم لكتابة مقالات وإعلانات في المناسبات الوطنية وأعياد التحرير وغيرها، حيث تحرص الحكومات على وضع برنامج مزحوم لزيارة الوفود الإعلامية للمسؤولين الخليجين الحكوميين وبعض المؤسسات التابعة للحكومة مثل مراكز البحوث ومؤسسات المجتمع المدني الموالية للحكومة، وكذلك دور الثقافة التي تمولها الدولة، وتحاول الحكومات إبعاد الصحفيين عن الأحزاب والحركات السياسية المعارضة مثل النقابات العمالية والحركات الطلابية ومؤسسات المجتمع المدني المعارضة لوجهة نظر الحكومة المعنية. والغريب أن بعض دول الخليج العربية لا تزال مصرة على إصدار الكتاب السنوي الذي يوضح إنجازات وإيجابيات الدولة. وبعض دول الخليج الأخرى تدعو الإعلاميين العرب والأجانب لكتابة مقالات أو ملاحق لصحف أجنبية أو عربية معروفة، لإبراز صورتها الإيجابية أمام دول العالم المتحضر.
اليوم مع التطور السريع في مجال الإعلام لم يعد مقبولاً الأساليب القديمة في الإعلانات المبوبة وإبراز الصور الإيجابية فقط عن دولنا ومجتمعنا. العالم اليوم أصبح قرية صغيرة، والعالم من حولنا يعرف كل شيء عنا، ومسؤولية الإعلام هي تقديم الحقيقة للناس بما لا يزيف جوهرها وصورتها، وعلى الإعلام العربي ألا يتعمد خداع الناس وإيهامهم وتضليلهم بما يضاد الحقيقة ويحرمهم منها.
متى يا ترى تستفيد مؤسسات الإعلام لدينا من عزوف وانصراف الناس عن استماع ومشاهدة المحطات الفضائية العربية والإذاعات العربية، وإقبالهم الشديد على المحطات الأجنبية، مثل هيئة الإذاعة البريطانية وصوت أميركا ومونتي كارلو والحُرة؟ ما يبرهن على أن ما نحتاج إليه حقاً هو المصداقية، وإعادة ثقة الناس في إعلامنا.
د. شملان يوسف العيسى