"المارينز" وانقلاب الرأي العام الأميركي على حرب العراق
تحت شمس عراقية لاهبة، طلب الجنرال الأميركي من جنوده، أن يتقدموا بما لديهم من أسئلة. في البداية كان هناك نوع من التردد من قبل الجنود ولكن واحداً منهم تقدم إلى الأمام.
كان السؤال الذي طرحه الجندي أول "جاك كيسيل" من "راليه" – "نورث كارولينا"، يتعلق بشيء كان يلح عليه وعلى رفاقه في كل مرة يخرجون فيها للاضطلاع بمهمتهم الخطرة المتعلقة بكسب قلوب وعقول أهالي محافظة الأنبار وهو: "كيف يفترض بنا أن نخوض تلك الحرب في حين أن الناس في الوطن يقولون إننا قد خسرناها بالفعل".
كان السؤال متوقعاً من قبل الليفتنانت جنرال (فريق) "جيمس إن. ماتيس" قائد القيادة المركزية لسلاح المارينز الذي كان يقوم بجولة في قواعد "المارينز" المتقدمة في محافظة الأنبار المترامية الأطراف، والتي تعد معقل التمرد السُّني في العراق. فبعد أربع سنوات من الحرب، التي لقي خلالها 900 من جنود "المارينز" مصرعهم وتعرض 8 آلاف غيرهم للإصابة، بدأ الكثير من "المارينز" يؤمنون بأنهم قد بدأوا يدقون إسفيناً بين السكان المدنيين وعناصر التمرد في الأنبار.
في الوقت نفسه، يراقب جنود "المارينز" ما يحدث في الوطن، ومنه على سبيل المثال استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن هناك نسبة آخذة في التزايد من الأميركيين، تشعر بأن الحرب في العراق لم تكن ضرورية وأنه قد تم تنفيذها بشكل رديء، علاوة على أنه لم يعد ممكناً كسبها.
يذكر أن المعارضة المتزايدة من قبل الشعب الأميركي للحرب في فيتنام، كان لها آنذاك تأثير نفسي مدمر على القوات في الميدان. فمشكلات المخدرات بين الجنود، والنزاعات العنصرية، بل والإيمان الآخذ في التزعزع بين الجنود أنفسهم في ذلك الوقت بمهمتهم الجوهرية، كان يمكن إرجاعها جميعاً إلى حقيقة أن الشعب الأميركي، انقلب على تلك الحرب.
إذا ما تذكرنا ذلك فإننا يمكن أن نسأل: "ما هو التأثير السيئ الذي يمكن أن يترتب على تراجع دعم الشعب الأميركي على حرب العراق، وعلى السجال السياسي الآخذ في الاحتدام في الوطن؟".
إن الإجابة على هذا السؤال مثلها في ذلك مثل الكثير من الأشياء المتعلقة بالحياة العسكرية الحديثة، قد تبدو متناقضة مع الفطرة السليمة أو غير منطقية بالنسبة للمدنيين.
بعد زيارتي الخامسة إلى العراق للكتابة عن "المارينز" توصلت إلى استنتاج مؤداه أن الروح المعنوية -بين عناصرهم على الأقل- لا تزال عالية. وهي كذلك ليس بالرغم من عدم الرضا الشعبي عن الحرب، ولكن ربما بسبب عدم الرضا هذا على وجه التحديد. فنسبة التأييد المتناقصة لتلك الحرب، كما يتبدى من استطلاعات الرأي، والسجال السياسي المحتدم حول الحرب قد دفعا المارينز -كما يبدو- إلى المزيد من التماسك ورص الصفوف.
الدليل على ذلك أن هناك دراسات قد بينت أن "المارينز" لا يزالون يتجاوزون أهداف إعادة التجنيد أو تجديد الخدمة المتعلقة بهم. فقد أثبتت دراسة حديثة أن احتمال إقدام الجنود الذين ذهبوا إلى العراق مرتين على التقدم بطلب لإعادة تجنيدهم أو تجديد خدمتهم العسكرية، أكبر من احتمال إقدام الجنود الذين ذهبوا إلى العراق لمرة واحدة على ذلك.. وأن "المارينز" الأقل احتمالاً لتجديد خدمتهم هم أولئك الذين لم يخدموا في العراق على الإطلاق.
أعود مرة أخرى إلى الجندي أول "جاك كيسيل"، الذي توجه بالسؤال إلى الجنرال، فأقول إن هذا الجندي كان واحداً من بين عدد قليل من جنود "المارينز"، الذين يقومون أثناء المناقشات العديدة التي أجريتها معهم بإثارة مسألة دعم الشعب الأميركي للحرب التي يخوضونها في العراق حيث كان يقول لي إنه قد التقط عدة مؤشرات سلبية حول الحرب عندما كان في إجازة في الوطن، وهو أمر يقر به أيضاً العديد من "المارينز"، الذين يقولون إنهم قد سمعوا ذات النمط من التعليقات، ولكنهم تجاهلوها أو قللوا من شأنها، في حين لم يفعل "كيسيل" ذلك حيث ظل مهموماً بها.
ويشار هنا أيضاً إلى أن المحافظة على الروح المعنوية تعتبر مهمة ذات أولوية قصوى بالنسبة لضابط "المارينز" وكبار ضباط الصف به الذين يدركون أن الإحساس بالإحباط جراء تناقص الدعم يمكن أن يحل سريعاً وينتشر حثيثاً.
فخلال الهجوم على بغداد عام 2003 كان السؤال الذي يتوجه به جنود "المارينز" دوماً للصحفيين المرافقين لهم هو: هل يؤيد الشعب الأميركي مهمتنا؟ وكانت الإجابة التي يتلقونها هي: نعم "كاسحة".
معظم جنود "المارينز" الحاليين هم من أبناء الضباط والجنود الذين خاضوا غمار الحرب الفيتنامية، ونشأوا وهم يسمعون منهم قصصاً سواء كانت حقيقية أو متوهمة -عن تعرضهم إلى التحقير والاستخفاف بعد عودتهم إلى الوطن. ويمكن القول إن هناك مخاوف واضحة لدى جنود "المارينز" من تعرضهم لمصير مماثل قد يكون في انتظارهم عند عودتهم للوطن، وخصوصاً على ضوء ما يحسونه من تحول في تأييد الرأي العام الأميركي لمهمتهم في العراق.
على العكس تماماً من هذه المخاوف حدث شيء مختلف. فمع تقلص التأييد للحرب زاد الدعم للقوات. فهناك في الوقت الراهن موجة غامرة من الكتب ذات الطبعات الشعبية، وعلب الحلوى وصناديق الهدايا، والأعلام التي يتم صنعها بواسطة تلاميذ المدارس أصبحت تتدفق على الجنود في العراق كما رأيت بنفسي. وفي "الكريسماس" الماضي وصلت كميات كبيرة من تلك الهدايا إلى القوات إلى درجة اضطرت الجنود إلى توزيع كميات كبيرة منها على الأطفال العراقيين حتى لا تتراكم في المخازن. وهذه النقطة تحديداً هي النقطة التي كان الجنرال "ماتيس" يركز عليها اهتمامه خلال جولته الحالية التي تفقد فيها وحدات "المارينز".
ففي إجابته على السؤال الذي وجهه الجندي أول "كيسيل" قال له الجنرال ولباقي الجنود الذين كانوا متجمعين في قاعدة الحبانية: "يجب أن تصدقوا ما ترونه بأعينكم ولا تلتفتوا إلى التقارير التي تقرؤونها حول موضوع من ذا الذي يكسب الحرب في الوقت الراهن ومن يخسرها؟ ولا تدعوا الساسة والخبراء الذين لم يزوروا العراق ولم يفهموا حقيقة ما يجرى فيه يثبطون عزيمتكم، ويجب أن تعرف أن تلك الحرية في التعبير التي يتمتعون بها، لم تكن لتتحقق لولا أنكم أنت وأمثالكم من قبل قد حاربتم -وتحاربون من أجلها".
وعندما سمع "كيسيل" ذلك من الجنرال، أومأ برأسه موافقاً. وقال لزملائه فيما بعد: "لقد فهمت الآن".
توني بيري
محرر الشؤون الخارجية في "لوس أنجلوس تايمز"
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"