درج الرئيس الأميركي جورج بوش على الترديد في مناسبات عديدة أن القوات الأميركية ستبقى في العراق طالما أن الحاجة إليها قائمة، لكنها لن تبقى يوماً آخر إضافياً إذا ما انتقت تلك الحاجة، من الأساس. واليوم اختفى هذا التأكيد تماماً بعدما توقف الرئيس بوش عن الإشارة إليه. فالحديث الجديد الذي يتردد هذه الأيام في جنبات البيت الأبيض هو على العكس من ذلك تماماً حيث يطغى الكلام عن عزم القوات الأميركية التمركز في العراق بصفة دائمة على غرار "النموذج الكوري الجنوبي". غير أن وجه التشبيه هذا بين بغداد وسيئول ينطوي على مغالطة كبيرة تتعين الإشارة إليها بوضوح شديد، إذ في الوقت الذي ساعد فيه التواجد الأميركي على الأراضي الكورية في رأب الصدع بين الجزأين الشمالي والجنوبي من شبة الجزيرة الكورية، إلا أن الجنوب الذي تتمركز فيه بالذات مستقر ولم يمزقه الصراع الداخلي والعنف المتفجر الذي يضرب العراق حالياً. والحقيقة أن خطط إقامة قواعد عسكرية أميركية دائمة في العراق لابد أن يكون التفكير فيها قد بدأ منذ وقت طويل. فقد تجاهل الرئيس بوش التوصيات التي خرج بها تقرير "بيكر- هاملتون" والقاضي بضرورة إعلان الولايات المتحدة صراحة عدم نيتها في الاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة فوق الأراضي العراقية. وفي لحظة من اللحظات أقر مجلسا الشيوخ والنواب في الكونجرس الأميركي تعديلات أدخلت على قانون تمويل الحرب يمنع إقامة قواعد عسكرية دائمة في بلاد الرافدين، لكن بعد المداولات، التي لابد البيت الأبيض شارك فيها، بهذه الطريقة أو تلك، اختفى التعديل تماماً ممن ما تتردد المطالبة به في كلا المجلسين، ولم يعد أحد يأتي على ذكره بعد ذلك. وهكذا تواصلت، دون توقف وبسرعة كبيرة، عمليات البناء لإقامة أربع قواعد عسكرية عملاقة في العراق، بالإضافة إلى سفارة جديدة كبيرة في "المنطقة الخضراء" تطل على نهر دجلة مباشرة. ومن المتوقع، حسب المراقبين، أن تتوفر تلك القواعد على مدارج للطائرات الحربية تمتد على طول ميلين لتستقبل أضخم الطائرات الأميركية. وفي هذا الإطار تغطي قاعدة "بلد" التي تبعد شمال بغداد لأكثر من 14 ميلاً مربعاً، فضلاً عن الخطط الجارية على قدم وساق لبناء قاعدة أخرى في منطقة "بابل" القديمة. كما أن السفارة الأميركية في بغداد، التي ستكون أكبر سفارة أميركية في العالم، ستضم مسبحاً فخماً، فضلاً عن سوبرماركت للتسوق. وعلى رغم معارضة بعض القادة العسكريين المتقاعدين مثل الجنرال "أنطوني زيني" لفكرة إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق، حيث نعَتَ الفكرة بأنها "غبية"، لما ستلحقه من ضرر بالغ بصورة أميركا في العالم، تواصل الإدارة الأميركية إنجاز خططها والتعجيل في إقامة تلك القواعد. وقد أثير العديد من الأسئلة حول الهدف الحقيقي من إنشاء تلك القواعد الدائمة وما إذا كان الغرض الحقيقي منها، كما يدعي ذلك المسؤولون في الإدارة الأميركية، يقتصر فقط على حفظ الاستقرار في بلاد الرافدين أم لا. ولعل مما تجدر الإشارة إليه هنا ما نبّه إليه الرئيس الأميركي الأسبق "جيمي كارتر"، في خطاب ألقاه في شهر فبراير الماضي، وقال فيه: "إن الهدف من ذهابنا إلى العراق كان إقامة قواعد عسكرية دائمة في منطقة الخليج". هذا ولا يمكن أيضاً إغفال الدور الكبير الذي ستلعبه تلك القواعد العسكرية الدائمة في تحجيم النفوذ الإيراني، في المنطقة وفي بلاد الرافدين خاصة. دانيال شور كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"