الدور الاجتماعي لرجال المال والأعمال (1/2)
عندما وجّهت، مريم الرومي، وزيرة الشؤون الاجتماعية، انتقادات لاذعة لرجال المال والأعمال والقطاع الخاص عموماً بشأن تقصيرهم في الإسهام بدور فاعل في مواجهة تداعيات إعصار "جونو"، لم تكن تتوقع أن انتقاداتها تلك قد خلّفت إعصاراً آخر من ردود الفعل والاستنكار بين رجال الأعمال، حمله إلى العلن التحقيق الصحفي الذي فتحته في هذا الخصوص جريدة "الاتحاد". كان تعقيبنا على تصريحات معالي الوزيرة في حينها، ومن خلال هذه الزاوية، أن التقصير لم يكن من جانب طرف واحد دون غيره، بل إن الجميع يحمل جانباً من هذا التقصير بما فيهم وزارة الشؤون الاجتماعية نفسها.
الجديد في هذا الموضوع، أي غياب الدور الاجتماعي لرجال المال والأعمال وشركات القطاع الخاص، والذي يطالب بعضهم بطرحه للنقاش في أروقة "المجلس الوطني الاتحادي"، أن بعض رجال الأعمال اعتبر أن مواجهة الأزمات والكوارث هي مسؤولية الدولة وحدها "من الألف إلى الياء"، وأن القطاع الخاص يقوم بدوره من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعها للدولة، وتشكّل 40% من عوائد الميزانية الاتحادية. هذه النسبة بكل تأكيد غير صحيحة عند النظر إلى مكوّناتها الحقيقية، بل إنها لا تعني شيئاً ذا مغزى، يمكن الاحتجاج به عند النظر إلى حجم الميزانية الاتحادية التي تمثل في مجملها أقلّ من 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، حيث لا تتجاوز إيرادات الميزانية المتوقعة لهذا العام 4ر28 مليار درهم، منها 52% عبارة عن مساهمة الإمارات (أبوظبي ودبي)، و35% إيرادات الوزارات، و13% عوائد الاستثمار.
إن محاولة بعض رجال الأعمال الاحتجاج بلغة الأرقام لإثبات أن لهم دوراً فاعلاً في خدمة المجتمع، يؤكد تقصيرهم في المقام الأول، مع ملاحظة أن هناك خلطاً واضحاً بين رجال الأعمال، بين ما يدفعونه للدولة من ضرائب ورسوم وغيرها، وبنسب محددة لا خيار لأحد فيها، وما بين دورهم الاجتماعي المنشود الذي تحرّكه وتحدده في المقام الأول معايير أخلاقية تجاه المجتمع، وليس له أي علاقة بما يدفعه أرباب القطاع الخاص من رسوم وجمارك وغيرها، والتي تعدّ من بين أقلّ المعدلات الضريبية بالعالم، إن لم تكن أقلّها على الإطلاق. إن ادّعاء بعض رجال الأعمال بأنهم يدفعون 40% من إيرادات الميزانية الاتحادية، أو ما يعادل 11 مليار درهم، تغنيهم عن دورهم الاجتماعي، هو بكل تأكيد ادّعاء غير صحيح، كما أنه غير موفّق أيضاً، إذ إن صافي أرباح خمسة بنوك محلية فقط يتجاوز هذا الرقم، بل إن إحصاءات المال والأعمال في الإمارات، تشير إلى أن هناك أكثر من 59 ألف مليونير بالدولة حالياً، وبثروات تقدر بنحو 5ر1 تريليون درهم، ما يعني أن مجموع ما يدفعه رجال المال والأعمال والقطاع الخاص لخزينة الدولة يقلّ كثيراً عن 1% من مجموع هذه الثروات، فيما لو قُدر لهؤلاء الأثرياء العمل في بعض الدول المتقدمة، لاستقطعت حكومات تلك الدول منهم نسبة تتجاوز 25% في شكل "ضريبة دخل" أو "ضريبة أرباح"، فضلاً عن أنه في ظل ما تشهده الساحة الاقتصادية المحلية من ازدهار وتحرر وانفتاح، يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من النشاط في بيئة العمل المحلية، ما يعني مزيداً من الثروات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية