تعقد حاليا على أرض دبي اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الدول السبع· وحشدت دبي كل إمكانياتها البشرية والاقتصادية والإعلامية لإنجاح هذه التظاهرة الاقتصادية لتنهض بعبء استضافة الآلاف من المسؤولين والوفود الرسمية والإعلاميين الذين يمثلون 186 دولة في إحدى أهم التظاهرات الدولية وخاصة أن الاقتصاد العالمي محورها، فغدا شعار نكون أو لا نكون محركا ومحفزا للعاملين قبل المسؤولين في دبي· وبدأت الحكومة قبل أشهر بالتحضير للاجتماعات عبر حملة توعية وتثقيف لأهمية عقد اجتماعات الدوليين على أرض عربية و التحديات التي تواجهها المنطقة والفرص الاستثمارية الكامنة فيها إضافة إلى جهود استقطاب رأس المال إلى المنطقة العربية لتحقيق حلم الازدهار الاقتصادي·
رسمت دبي خطواتها منذ البدايات الأولى فكان الخيار اقتصاديا في البدء· وانزوت السياسة في بلد التجارة والتجار· وعلى رغم الحروب التي عصفت بالمنطقة طوال العقدين الماضيين إلا أن دبي بقيت مزدهرة واستمرت في ازدهارها بفضل خيارها الاقتصادي ونهج قيادتها الحكيمة فتحققت المعجزة الاقتصادية في دبي، وكان اختيارها لاستضافة هذا الحدث العالمي شهادة بأن دبي جزيرة أمان وسط خليج يعج بالصراعات والاضطرابات· ومن جديد كان خيار الاقتصاد هو الداعم الأساسي لاستقرار دبي، فدخلت أسرع من شقيقاتها في زمن العولمة·
تثير العولمة في العالم أجمع مواقف وردود فعل عديدة ومن الطبيعي أن تتفاوت المواقف وربما أخذت أحد الأشكال التالية: الانغماس في معطيات العولمة وهذا موقف وارد ومقبول من البعض، والموقف الثاني هو الانكماش عن رموز ومفاهيم وقناعات العولمة والموقف الثالث وهو الذي يجمع القطبين المتعارضين في ذات الوقت· وهذه المواقف المتفاوتة والمتعارضة موجودة في المجتمع الواحد· ويمكن القول إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة نظرا لتعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساسا بانحيازات الباحثين الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضا أو قبولا· فمن الطبيعي أن تختلف التعاريف لمفهوم العولمة باختلاف أبعادها وتجلياتها ومؤشراتها على أرض الواقع· لكن للعولمة شروطاً لابد من أن تخضع لها دبي أو تخضعنا لها إحداها مشاركة الوفد الإسرائيلي ضمن وفود الدول المشاركة في الاجتماعات والأخرى استضافة مناهضي العولمة من جمعيات غير حكومية أو تجمعات أهلية أو حتى مثيري الشغب فتعامل المسؤولون في دبي بحرفية عالية مع المسألتين فلم يعط موضوع مشاركة الوفد الإسرائيلي حجما يذكر· وقد وفرت كافة المستلزمات والتسهيلات لتمكين مناهضي العولمة من التعبير السلمي عن آرائهم وفق مصادر أمنية إماراتية ووجهت تعليمات صارمة بإبداء أكبر قدر من ضبط النفس، فمظاهرات التنديد التي شهدتها العاصمة التشيكية براغ قبل ثلاثة أعوام وما رافقها من أعمال عنف وتخريب للممتلكات واعتقالات واسعة أدت إلى تقليص مدة الاجتماعات آنذاك، ما زالت حاضرة في الأذهان·
تتشابك السياسة مع الاقتصاد منذ الأزل لكن منذ أن دخلنا بدون سابق إنذار في عصر المعلوماتية والعولمة ومفاهيم ما بعد الحداثة بالألفية الثالثة حسم الصراع بين الاقتصاد والسياسة لصالح الاقتصاد وأضحت السياسة إحدى أدوات الاقتصاد محليا ودوليا، وبرزت على الساحة الدولية قوى صناعية واقتصادية ومالية خارج الدول، وتعاظمت أهمية القوى الاقتصادية يوما بعد يوم· وجاءت العولمة لتضع القوى الاقتصادية في القمة· فتآكلت أدوار القوى التقليدية الكبرى على مستويات متفاوتة ودخلت قوى جديدة لا تعتمد على قدراتها العسكرية بل على قدراتها الاقتصادية ولم يعد خافيا إمكانية أن تتحول أي من القوى الاقتصادية كألمانيا أو اليابان إلى قوة عسكرية ببساطة لامتلاكها الإمكانيات والتقنيات اللازمة بينما تتراجع قوة عسكرية كروسيا لافتقارها للقوة الاقتصادية و في ضوء المعطيات الجديدة كان لابد للسياسة من الخضوع والتواري من الأجندة الدولية·
لقد استوعبت دبي قبل غيرها متطلبات العصر الجديد حتى لو كان ثمنها رفع العلم الإسرائيلي على أرض دبي، فدبي كانت تعلم أنها باستضافتها اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستستقبل ضيوفا من كافة دول العالم ومنها الوفد الإسرائيلي الذي حضر ممثلا بمدير بنك إسرائيل ديفيد كلاين بعد إعلان عدم حضور وزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو· إنها متطلبات عصر جديد تتقن لغته دبي·
عائشة المري