اتصلت بي أختي من الموصل فقالت لي:إن الناس عندنا يقتلون البعثيين ويرمون جثثهم في دجلة· قلت لها: ولكن هذا خطأ أن نستبدل البعث بأسوأ منه كمن ينتقل من السل إلى الإيدز· قالت يا أخي لو تعلم كم سببوا لنا من الألم والحزن؟ قلت: وهذا هو الفرق فيجب أن تمسكوا بهم وتقدموهم للقضاء· قالت: إنهم سرطان خبيث ولقد قطع الرأس ولكن انتشارات السرطان ما زالت تسممنا· والبعث فارق الروح في العراق ولكن فروعه ناشطة في العالم العربي·
وفي مقابلة مع رفيق حزبي لبناني قال: إن الحزب لم يمر في وقت أفضل منه الآن· ومشكلة الحزبي أنه يضع على عينيه نظارة لونية بألوان شتى هي خضراء للإخوان المسلمين وحمراء للشيوعيين وسوداء للبعثيين مثل النظارات الشمسية الغامقة طالما كان المشي في ظل الأنظمة الشمولية هو في صحراء حارقة· وقال الرفيق الحزبي من لبنان إن الحزب لو سقط في العراق فلا يعني أن فكر الحزب انتهى وهو ما يردده الشيوعيون· فيقولون إن ما مات لم يكن الشيوعية، والشيوعية قادمة لا محالة وهو يذكر بقصص جحا الشعبية·
وفي محطة فضائية خرج علينا رفيق حزبي بنظرية مفادها أن الاعتقالات في الأنظمة الشمولية دليل عافية العرب؟ فلولا روح التمرد والمقاومة ما حصلت الاعتقالات؟ وهذا يعني حسب تنظير الرفيق الحزبي أن ألمانيا سيدة الكسل والخمول لعدم وجود اعتقالات فيها· وكلامه هذا يذكر بالمجنون الذي سألوه عن الجسر لم صنع؟ قال من أجل أن يمر النهر من تحته؟!
ويرى مالك بن نبي أن لكل قرية مقبرتها ولكل ثقافة مقبرة للأفكار· وهو يرى أن الأمم تقتل بنوعين من الأفكار: القاتلة والميتة· فأما القاتلة فهي المستوردة من الخارج ولا تناسب البيئة كما في فكر حزب البعث القومي للوسط الإسلامي الذي أهلك الحرث والنسل· والأفكار الميتة هي تلك الأفكار التي ماتت في الثقافة ولم تعد تعمل مثل الجثة المتفسخة التي تنشر السموم وفهمها أصعب لأنها من التراث ونحن نحب التراث ونتمسك به· ولكن السكنى في بيوت قديمة لا يطيقها الناس ولو حملت ذكرى الأجداد· كما أن الناس منذ فترة طويلة لم تعد تركب الحمير والبغال بل الطائرات· وكذلك لم يعد الاستنجاء والاستبراء بالحجارة فيجب أن تحذف من كتب الفقه· ويمكن تشبيه عملية نقل الأفكار القاتلة أو التشبث بالأفكار الميتة مثل عمليات نقل الدم· فأما (الأفكار القاتلة) فهي نقل الدم الحي مع الخطأ في الزمرة فيقتل المريض مع حاجته للدم· والغلط هنا أن الأفكار تعمل ضمن شروطها التاريخية فإذا نقلت بغير شروطها قتلت، كما يقتل المريض النازف بالزمرة الغلط مع حاجته إليها·
والفكر القومي في أوروبا عمل في يوم فأنشأ أقطارا عظيمة مثل ألمانيا وفرنسا ولكن عفلق نقل الفكر الفاشي بعد مرور قرن عليه· وأما (الأفكار الميتة) فهي نقل الدم من الزمرة نفسها ولكن بعد مضي فترة الصلاحية· ونحن نعرف طبيا في مثل هذه الحالة أننا نحشو أوردة المريض بخثرات قاتلة في كل مكان فيموت المريض مع سلامة الزمرة· ففي الحالة الأولى هو دم حي مع اختلاف الزمرة وهو في الحالة الثانية نفس الزمرة مع فساد الدم بانتهاء الصلاحية· وهذا الذي يحصل اليوم بين فكر البعث وفكر ابن لادن· فأما ابن لادن فخطابه انتهت صلاحيته منذ فترة السلطان قلاوون الألفي قبل ألف سنة·
وأما فكر البعث فهو توليفة خطيرة من الأفكار القاتلة والميتة مثل الجثة المملوءة ببكتيريا في غاية الخطورة· فهي من طرف جثة (ميتة) وهي من طرف آخر تعج ببكتيريا حية وقاتلة· ولذا يجب على الأنطمة التي ما زالت تؤمن بفكر متخلف من هذا النوع أن تتخلص منه بسرعة كما في دفن الميت على السنة فتعلن موعداً لجنازة حزب البعث للتشييع الرسمي· ولكن نبي الله سليمان عندما مات لم يخطر في بال الجن أنه مات والذي لفت نظرهم إلى موته كانت حشرة لا أحد ينتبه لها· وحزب البعث أصبح جثة منذ زمن طويل واعترف بهذا العاقلون منهم ولكن المستفيدين من اللصوص ما زالوا يعيشون على الامتيازات على أمل أن يطول عمر هذه الجثة، كما حافظ الشيوعيون على جثة لينين· وقديما كان الكهنة يوحون إلى الناس أن هبل حي وأن مناة تضر وتنفع وأن اللات والعزى تميت وتحيي· وحزب البعث اليوم بيد كهنة آمون الجدد يطلقون البخور الحزبي من كلمات القائد حتى تأتي دابة الأرض فيسقط الصنم كما سقط في بغداد ويكون له دوي عظيم ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله·