تعد المناهج التعليمية من أهم عناصر العملية التعليمية، فهي تحدد أدوار المعلم والموجه وكذلك الإدارة المدرسية· وتتمايز المدارس عادة بالمنهج المطبق فيها فنقول هذه مدرسة تطبق المنهج الوطني و أخرى تفتخر بتقديم المنهج الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي وهكذا· وتقوم المدارس بتكييف المنهج ليتناسب مع البيئة المحلية ولكن السؤال هو: لماذا تبنى المناهج هل هي للمباهج أم أنها للتربية والتعليم؟ سؤال يطرح نفسه لنحدد به ماذا نريد من جيل المستقبل وقبل ذلك دعونا نتعرض لأبرز التحديات التي سيواجهها الأطفال في مستقبلهم كما ذكرتها البحوث المختصة ·
تركز دول العالم اليوم على أهمية الهوية الوطنية المتمثلة في قيم ومبادئ وأعراف المجتمعات لأن هذه القيم تتعرض اليوم لخطر العولمة الجارف و المتمثل في عولمة الاتصالات والاقتصاد· لكن هذه العمليات لم تخل من تهديد مبطن لخصوصيات المجتمعات على رغم ما فيها من إيجابيات كثيرة فهل نناقش بصراحة ما تقوم به أجهزة الإعلام من أثر على القيم· لا أحسبني بحاجة إلى دراسات لتحديد أثر الإعلام على الناس فماذا أعدت التربية لذلك وماذا أعددنا لعالم تلغى فيه الحدود وتنتفي منه السدود؟
من جانب آخر هناك تحدي المعلومة الذي يواجه الكتاب المدرسي فبمجرد أن تتحول الكتب من أفكار و أهداف إلى محتوى للتدريس تكون الأمور تغيرت في العالم· فكتاب مثل الجغرافيا تتغير المعلومات فيه بصورة سريعة لكن كتب العلوم تتبدل المعلومات فيها بصورة أسرع· فماذا نفعل في عالم المعلومات الحديثة وكيف ندرب المتعلم للعيش في هذا العالم؟ سؤال آخر يواجه التعليم الحديث·
ثم يأتي التحدي الثالث والمتمثل في سوق العمل المتقلب حسب التغيرات العالمية فنحن نعد المتعلم للعمل حسب ما نراه اليوم لكن سوق العمل الجديد يفترض المرونة في إعداد الإنسان تلك المرونة التي تجعله قادرا على إعادة تربية نفسه ليتكيف مع ظروف العمل المتبدلة وإلا فإنه قد لا يتمكن من التكيف مع الحياة المرنة القادمة فما العمل؟
سؤال حاول علماء المناهج التجاوب معه بعد تجارب مريرة في تأليف المنهج قادتهم إلى بعض السمات التي ينبغي الاهتمام بها وإلا فإن مناهجنا ستكون مجرد مناهج مباهج نخدع بها المجتمع والأسر ونقول لهم إننا أعددنا الأبناء للنجاح لكننا في حقيقة الأمر نعدهم لتجاوز الامتحانات وهناك فرق بين النجاح في الامتحان والنجاح في الحياة· وهناك مدارس أخرى أضحت تزين المنهج باستخدام الحاسبات الآلية فحولت الكتاب المسطور في الورق إلى كتاب حبره على شاشة الحاسب الآلي اعتقادا من هذه المدارس أن مستقبل العالم المرتبط بالحاسبات الآلية إنما يتحقق بنشر الحاسبات في المدارس فقط و بالذات تلك الحاسبات التي تستخدم للعرض العام أو الدعاية أكثر من استخدامها في حقيقة العملية التعليمية· وهناك مدارس تركز على الأنشطة المصاحبة من رحلات مدرسية خارج الدولة أو داخلها، والسؤال هو ما هي الأهداف المصاحبة لذلك فإن لم تكن الأهداف لا تجاوز تغيير مناخ التعليم المحصور بين جدران المدرسة فإنها تدخل في ميدان مناهج المباهج التي لا تتناسب مع العصر الذي نعيشة فما بالك بالمستقبل الذي ذكرنا بعض سماته في مقدمة المقال ·
أرجو أن لا يفهم من المقال أنني ضد استخدام الحاسب الآلي أو الرحلات العلمية لكنني أريد التمييز بين مناهج المباهج التي يكون التعديل فيها مجرد خداع ظاهري سرعان ما يزول مع الزمن وبين التعديل الفعلي الذي يتمثل في بعض المحاور أهمها أهداف التعليم فهي المحور الحقيقي للعملية التعليمية والتي ينبغي النظر فيها وفق التحديات التي ذكرناها وبالذات تحدي الهوية وسوق العمل· وأهم من ذلك تأتي طرق التدريس التي هي بحاجة إلى تطوير جذري· فالمعلم الذي يستخدم الكمبيوتر الحديث بطرق تدريس قديمة هو معلم يهتم بالمباهج أكثر من المناهج فدورنا هو تدريب المتعلم على التعلم الذاتي ومهارة اكتشاف المعلومة ومتابعتها في زمن تتبدل فيه المعلومات بسرعة لا يمكن للكتب متابعتها· وطرق التدريس هي وسيلتنا لذلك و هذا يتطلب تعديلا في أدوار المعلم الحالية· ومن الأمور المهمة تطوير طرق التقويم، فلا يصح أن نقيم الطلبة بكمية المعلومات التي يحفظها المتعلم بل بالمهارات التي يتمكن من اكتسابها وتطويرها عبر سنوات الدراسة المختلفة من رياض الأطفال حتى التخرج من الجامعة ·
إن مناهج المباهج هي التي تركز على تطوير البيئة المادية فقط دون الانتباه إلى حقيقة التطوير المقصود وهو المتمثل في تطوير البيئة المادية والمعنوية للعملية التعليمية ·