ما أعلن مؤخراً من اتفاق الحكومة السودانية و الحركة الشعبية على تمديد وقف إطلاق النار بينهما لشهرين آخرين هو خطوة طيبة، لكنها لا ترقى إلى مستوى الخطوة التي ظل السودانيون وأشقاؤهم وجيرانهم والمجتمع الدولي ينتظرونها ويتطلعون إليها· فالمفاوضات الطويلة وجولاتها التي لا تبدو لها نهاية في الأفق، في توقع كل محب للسودان حادب على مصيره ومستقبله وسلامة أهله، كان يجب أن تنتهي إلى إعلان بإنهاء الحرب وفتح الطريق إلى السلام الذي يتطلع ويحتاج إليه السودان· إن الطريق إلى السلم الأهلي الذي حرم منه السودان عقوداً من الزمان طويل وشاق، والسير عليه وتحقيقه يحتاج إلى عزائم الرجال الأقوياء الذين يتحلون بالبصر والبصيرة النيرة، والذين رأوا وعاشوا مأساة شعبهم، وأدركوا فيما أدركوا أن المسؤولية والأمانة تقتضي على المسؤول أن يراعي ويرعى مصالح هؤلاء من عباد الله السودانيين، الذين ظلوا هم ومنذ اندلاع شرارة هذه الحرب اللعينة، من يدفعون ثمنها، وظلوا هم وقودها وضحاياها··· والذين لم يسألهم أحد حتى الآن رأيهم فيما جرى ويجري·
ولقد ظل غالبية السودانيين والمتتبعين لأحوال السودان طوال تلك الأسابيع التي دارت خلالها المفاوضات بين السلطة و الحركة الشعبية يعيشون في قلق وترقب، ويأملون حيناً أن يتغلب العقل وتتغلب الحكمة على الرعونة والمكابرة غير المبررة·· ينظرون إلى تغيير وجوه المتفاوضين، ويستمعون إلى الهمسات التي تصدر عن كلا الجانبين، ويحاولون قدر جهد البشر العاديين وطاقتهم أن يفهموا ما الذي يحول بين الطرفين والوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب؟ إن أي مطلع على الحالة السودانية اليوم يعلم أن كلا الطرفين المتحاربين قد وصل إلى النقطة التي لم يعد بعدها قادراً على خوض معركة جديدة، وكسب أرض جديدة· الطرفان وصلا عسكرياً وسياسياً إلى درجة الإنهاك الكبرى المصادر التي كانت تغذي الحرب جفت ضروعها، والمقاتلون العقائديون لم يصلوا فقط إلى درجة السأم من الحرب، بل صاروا يتساءلون عن معناها وجدواها· والسلطة التي تصورت يوماً أنها قد حشدت من حولها الصف الإسلامي داخل السودان وعالمياً تعرف أنها تقف الآن على أرض رخوة ورمال متحركة، وأن الحديث عن الدفاع عن عروبة السودان وإسلامه والمشروع الإسلامي الذي تعهدته السلطة وسوقته في وقت ما لم يعد له ذلك البريق واللمعان المتصور· الأخبار المسربة تعلن أن الطرفين اتفقا على اقتسام السلطة وقسمة الثروة ، كأنما مصير السودان وحقوق أهله أصبحت ملكاً لسلطة من الشمال لا تستطيع -وهي تعلم ذلك- أن تدعي أنها تمثل ولو عشرين في المئة من أهل الشمال، ولا لـ الحركة الشعبية التي تعلم أيضاً أنها لا تمثل غالبية أهل الجنوب ناهيك عن بقية أهل السودان!!
ومع ذلك فإن الطرفين قد عجزا وفشلا في الوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب، فلماذا؟···
في تقديري -وقد أكون مخطئاً- لأن استمرار الوضع هكذا أصبح يمثل مصلحة مشتركة لبعض الأطراف في كلا الجانبين اللذين اعترف لهما بعض العالم أنهما هما طرفا النزاع السوداني ·
لكن قبول هذا الوضع لم يعد مقبولاً من غالبية أهل السودان وكل المساعي الدائرة لإيجاد حل تتجاهل عن عمد أو جهل صاحب الدور الأساسي وصاحب المصلحة الأساسية في انهائها، الشعب السوداني· إن تمديد اتفاق وقف إطلاق النار لشهرين آخرين هو خطوة طيبة، ولكنها ليست الخطوة المطلوبة· إذا كانت كل الأطراف -المتحاربة وغير المتحاربة- قد اتفقت على أن الحوار والتفاوض هو الطريق الأسلم لحل المعضلة السودانية فمن الذي يمنع ويحول بين السودانيين وبين الجلوس جميعاً على مائدة التفاوض والحوار؟ هل ما يزال هنالك عاقل في السودان يعتقد أن طرفاً أو طرفين من السودانيين سيحلان قضايا السودان المعقدة بمعزل عن كل الأطراف السودانية؟
سؤال يحتاج إلى إجابة حقاً·