أشارت دراسة اقتصادية أعدّها (مركز المعلومات) بـ"غرفة تجارة وصناعة أبوظبي" إلى العديد من الحقائق والإحصاءات اللافتة في موضوع العمالة المنزلية بالدولة، حيث ذكرت الدراسة أن نسبة العمالة المنزلية تبلغ حالياً نحو 5% من إجمالي عدد سكان الإمارات، وأن عددها يقدر بنحو 268 ألف عامل، وأن نسبة هؤلاء إلى إجمالي القوة العاملة بالدولة تبلغ نحو 9%، أما حجم العمالة المنزلية بإمارة أبوظبي بمفردها فقدّر بنحو 6% من إجمالي عدد سكان الإمارة أي نحو 120 ألفاً. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد تأشيرات العمالة المنزلية الصادرة، خلال العام الحالي، تجاوز 83 ألف تأشيرة عمل. المعلومات المهمة التي تحتوي عليها الدراسة لم تقتصر على ذلك، بل تشير أيضاً إلى حقائق لافتة أخرى منها، أن العمالة الإندونيسية والفلبينية تسيطر على أكثر من 80% من حجم السوق في هذا المجال. هذه الأرقام والإحصاءات تستحق وقفة متأنية من جانب الجهات المعنية، لأنها تنطوي على العديد من الدلالات والمؤشرات، أولها أن هناك تزايداً متنامياً في أعداد العمالة المنزلية بمختلف نوعياتها، وهذا الاتجاه يتنافى مع التوقعات الخاصة بإمكانية انخفاض معدلات الاستقدام بهذه الشريحة من العمالة عقب توجّه الدول المصدّرة للخادمات إلى وضع حد أدنى مرتفع لأجور خدم المنازل، فضلاً عن إجراءات أخرى اعتبرتها الجهات الخليجية الرسمية المعنية انتهاكاً لخصوصيات المواطن الخليجي، منها إرفاق كشف حساب بنكي للكفيل، وصور فوتوغرافية له ولعائلته، وغير ذلك من الشروط. الدلالة الثانية لهذه الإحصاءات تكمن في سيطرة جنسية معيّنة بشكل شبه مطلق على قطاع خادمات المنازل، حيث تشير الدراسة إلى أن الخادمات الفلبينيات يشغلن المرتبة الأولى في منازل الأسر الإماراتية التي تستقدم ما يزيد على 65% من احتياجاتها من خادمات المنازل من العمالة الفلبينية، رغم بعض الإشكاليات التي تواجه عملية الاستقدام من الفلبين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدراسة ذاتها تحدّثت عن أن الأسر بدولة الإمارات تعتمد اعتماداً كلياً على العمالة المنزلية في أدق تفاصيل الحياة اليومية، بما في ذلك تربية الأبناء، لدرجة أن الدراسة قالت إن العمالة المنزلية باتت تشكّل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع وأمراً واقعاً تستعصي الحياة من دونه، ويتأثر مستوى الرفاهية بغيابهنّ، ما يعني أننا أمام حقيقة مفادها: أن هذا الكم الهائل من الخادمات، بخلفياتهنّ الثقافية الهشّة والمتباينة في الوقت ذاته، ومستوياتهنّ التعليمية المتدنية، يلعبن الدور الأخطر في تربية النشء، ومن ثم يمتلكن مفاتيح تشكيل الجذور الثقافية للمجتمع، وإعادة توجيهها كل حسب ثقافتها وطبيعة علاقتها بمخدوميها. هذه الصورة التي ترسمها الدراسة لواقع العمالة المنزلية تمثل بحدّ ذاتها تحدياً رئيسياً على أكثر من مستوى، ولاسيما أن التعاطي مع هذا الملف ينحصر في أغلبه داخل حدود محاولة تنويع مصادر العمالة الآسيوية، وفتح أسواق جديدة لتوريد هذه النوعية من العمالة، وهي غالباً محاولات تثبت الأرقام أنها لم تحقق الهدف المرجو، علماً بأن هذا التوجّه لم يكن بغرض معالجة سيطرة جنسية معيّنة على السوق، لكنه جاء بهدف البحث عن مصادر أرخص للاستقدام كردّة فعل على قرارات بعض الدول الآسيوية رفع أجور الخادمات، وبالتالي لم يكن هذا التوجّه ليتصدى لجوهر المشكلة المتمثلة في تضخّم أعداد العمالة المنزلية، والحاجة الملحّة لتنظيم عملية الاستقدام، ووضع قواعد وشروط أكثر تشدداً لجلب الخادمات، ورفع الوعي بالآثار السلبية للاعتماد "التام" عليهنّ في تربية الأبناء.