في كتابه الجديد والمشوق المعنون شبكة الخداع ·· دور بريطانيا الحقيقي في العالم ، يذهب مارك كيرتس ، الباحث السابق في معهد الشؤون الخارجية، والذي يعمل حاليا رئيسا للسياسة في مؤسسة كريستيان آيد ، ومؤلف العديد من الكتب المهمة مثل التباسات القوة و الخداع الكبير :التجارة مقابل الحياة وغيرها إلى وصف بريطانيا بأنها دولة مارقة، بل إنها في معظم الأحيان دولة خارجة عن القانون الدولي، بل ودولة تقوم بانتظام بانتهاك حقوق الإنسان، وتعمل كحليف رئيسي للأنظمة القمعية في مختلف أنحاء العالم·
ربما تبدو هذه الأوصاف غريبة الوقع على آذان القارئ في أي مكان، بسبب تشابهها مع الأوصاف التي تطلق عادة على ديكتاتوريات العالم الثالث، مما يجعله متشوقا لمعرفة المبررات والأسانيد التي يعتمد عليها الكاتب لتبرير مقولته· ماذا يقول كيرتس حول هذا الأمر؟ يقول إن بريطانيا تحت حكم توني بلير تحولت إلى نصير لنوع من العولمة التي تعمل على الاستيلاء على الاقتصادات لمصلحة الشركات الكبرى العابرة للقارات، وإنها لم تستفد من الدروس المستخلصة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغيير مساراتها الدولية، بل ظلت سادرة في غيها بحيث أصبحت سياساتها مسؤولة -بالاشتراك مع مثيلتها الأميركية- عن استمرار الفقر، وعدم المساواة في العالم بل وتعميقهما كذلك، كما أن صادراتها من الأسلحة وسياساتها النووية قد جعلت من العالم مكانا أكثر خطرا·
ويصف الكتاب الفجوة التي تتزايد اتساعا باستمرار بين التزام حزب العمال الجديد المعلن بتبني، والدفاع عن، القيم الأخلاقية وبين واقعه الحالي الذي يعتبر أبعد ما يكون عن الأخلاق، وخصوصا ما يتعلق منه بحرب بريطانيا على الإرهاب التي تخوضها تحت الراية الأميركية، واتخاذها من تلك الحرب ذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى · وتبدو لا أخلاقية السياسة البريطانية واضحة جلية من خلال تدخلاتها في أفغانستان، وكوسوفا، وإندونيسيا، والعراق· ومساندتها الفعالة لإسرائيل في سياستها القمعية في الضفة وغزة، ولروسيا في الشيشان ، ولتركيا ضد الأكراد، ولأنظمة تسلطية أخرى في أماكن مختلفة من العالم سواء بشكل علني أو سري· ولا يقتصر الأمر على ذلك حيث يضاف أيضا سكوتها عن المذابح الرهيبة في رواندا ، ودعمها للسياسات الاقتصادية التي تزيد من إفقار الدول في دول العالم الثالث من خلال الدور الذي تلعبه في منظمة التجارة الدولية· ويعتمد كيرتس على الوثائق المصنفة التابعة للخارجية البريطانية، لكشف تاريخ سياساتها، وفضح تواطئها في المذابح التي أودت بحوالى مليون إنسان في إندونيسيا، وتواطئها في تفريغ جزيرة دييجو جارسيا من سكانها، لاستخدامها كقاعدة للأغراض العسكرية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وتواطئها في المؤامرات الانقلابية التي أطاحت بحكومة مصدق في إيران وبحكومة غينيا البريطانية، وسياساتها الاستعمارية القمعية في كينيا و الملايو وغير ذلك الكثير·
كتاب: شبكة الخداع··· الصورة الجديدة للدور البريطاني الحقيقي في العالم · يعتبر نقدا شاملا لسياسات بريطانيا الخارجية تحت حكومة توني بلير، وتحليل لتلك السياسة في سياق تاريخي من العام 1945 وحتى الآن· ويعلق كيرتس على هذه الجزئية قائلا: هناك الكثير من الحكومات التي تعاقبت على حكم بريطانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولكن الشعار بالنسبة لسياستها الخارجية كان دائما هو: يبقى الحال على ما هو عليه · ويكشف المؤلف أيضا الدور الذي لعبته وسائل الاعلام البريطانية المكتوبة والمسموعة والمقروءة في مساندة هذه السياسة، والدعاية لها، والتستر على أخطائها وتبريرها عندما يتم اكتشافها· من هنا تحديدا يستمد الكتاب أهميته، حيث لا يوجد لدينا الكثير من الكتب التي تناولت السياسة البريطانية من هذه الزاوية، أو التي عنيت بكشف التاريخ الملوث للسياسة الخارجية البريطانية التي ارتبطت مع السياسات الخارجية الأميركية في الكثير من الأزمات التي وقعت في عالمنا منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها· وفي الحقيقة أن كشف الارتباط بين هاتين السياستين، قد كشف في الوقت نفسه عن أن بريطانيا كانت متواطئة مع الولايات المتحدة في الكثير من المؤامرات، والانقلابات، والتدخلات، والاحتلالات· ومما لا شك فيه أن هذا الكتاب سوف يصدم من يقرؤه من البريطانيين الذين تربوا على أن سياسات بلادهم الخارجية هي سياسات طيبة تهدف إلى خير العالم، وتتمسك بالمبادئ، وقواعد الأخلاق القوية، والذين لم يعرفوا عن تلك السياسات إلا ما كانت الحكومة تسمح لهم بمعرفته، وهو ما كان عادة يهدف إلى تلميع الصورة وإخفاء الجانب المظلم· لذا يمكن القول إن الكتاب يعتبر معادلا موضوعيا للكتب التي تناولت هذه السياسة من باب المدح لا من باب النقد ، أو تلك التي تناولتها من جانب يرتدي قناع الموضوعية في الظاهر، بينما يقوم في حقيقة الأمر بإخفاء القبح والعفن· وعلى رغم أن الكتاب قد يكون بمثابة صدمة للبريطانيين، إلى أنه يأتي في صورة عزاء لشعوب العالم الثالث حيث قام بكشف ال