تدخل العلاقات الأميركية-الإيرانية مرحلة متأزمة هذه الأيام، بسبب اتهام الولايات المتحدة لإيران بامتلاك برنامج نووي سري· وقد فقدت إيران في الأسبوع الماضي مقعدها في مجلس حكام وكالة الطاقة النووية في فينا· وهددت الوكالة إيران بضرورة توقيعها على اتفاق إضافي لمعاهدة حظر الأسلحة النووية، يسمح لمفتشي الوكالة بالقيام بحملات تفتيش فجائية على أي موقع يشك فيه بتطوير برامج نووية محظورة لأغراض عسكرية·
والحقيقة أن الحملة الأميركية على إيران ليست جديدة فهي تعود لمنتصف التسعينيات حين تبنت الحكومة الأميركية قانون داماتو الشهير الذي حظر على الشركات التعامل أو الاستثمار في إيران، وعاقب أية شركة تابعة لدولة أخرى إذا هي استثمرت أكثر من 20 مليون دولار في مشروعات إيرانية، سواءً كانت خاصة بالطاقة أو أية مشروعات أخرى· وعلى رغم التكلفة الاقتصادية التي تحملتها إيران نتيجة سنّ هذا القانون، إلا أنها استطاعت أن تلتف عليها وتنفتح في علاقاتها التجارية مع الدول الأوروبية، وبعض دول الخليج العربية· ولفترة طويلة خلال فترة التسعينيات، بدا وكأنما هناك تقسيم للعمل والتجارة بين الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات، بحيث تعمق الولايات المتحدة من نفوذها الاقتصادي والتجاري في منطقة الخليج العربي، بينما تقتطع الشركات الأوروبية الجزء الأعظم من الكعكة الإيرانية· وبالفعل نجحت شركات توتال الفرنسية وبعض الشركات الروسية والماليزية في الحصول على عقود للتنقيب عن النفط واستخراجه في حقل نوروز الإيراني في الخليج العربي ·
وقد تقلبت العلاقات الأميركية-الإيرانية لفترة من الزمن، وتعاون البلدان في الحرب ضد حكومة طالبان في أفغانستان، حيث مثلت تلك الحركة عدواً مشتركاً لكل من الولايات المتحدة وإيران· وتبنت إيران خلال تلك الحرب سياسة الحياد الإيجابي، وإن لم تقف في الصف المحارب نفسه لحركة أصولية إسلامية ·
وبدأ خلال الحرب وبعدها شكل من أشكال الغزل الدبلوماسي بين الطرفين، خاصة في اللقاءات التي عقدت بين وزير الخارجية الأميركي وممثلين دبلوماسيين عن إيران، وكذلك التصريحات الإيجابية لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جوزف بايدن ·
غير أن احتلال الولايات المتحدة لكل من العراق وأفغانستان وهما البلدان المجاوران لإيران، وشعور الإدارة بأن الجناح الليبرالي الذي يقوده الرئيس خاتمي لن يتمكن من تحويل السياسة الإيرانية لصالح انفتاح كامل على الولايات المتحدة، قد دفع بالسياسة الأميركية إلى التشدد نحو إيران· ودخل هذا التشدد شكلاً من أشكال العداء الأيديولوجي، بتبني الرئيس جورج بوش لمفهوم محور الشر الثلاثي الذي يضم إيران والعراق وكوريا الشمالية·
ويمثل التصعيد الحالي في العلاقات الإيرانية-الأميركية جزءاً من مخطط المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية لزعزعة الاستقرار في منطقة المشرق العربي· والحقيقة أن الغزو الأميركي-البريطاني الذي قام ضد العراق بدعاوى زائفة حول امتلاكه لأسلحة دمار شامل، يحاول اليوم أن يكرر سيناريو العراق، ولكن ببراهين جديدة وبحلفاء جدد ضد إيران·
والبرنامج النووي الإيراني ليس برنامجاً جديداً، فهو يعود إلى عام ،1975 إلا أنه توقف خلال الحرب العراقية الإيرانية، ليعود بزخم جديد عام ،1991 حيث صرفت عليه إيران أكثر من مليار ونصف المليار من الدولارات خلال العقد المنصرم· وعلى رغم امتلاك إيران لعدد من المفاعلات الخاصة بالبحوث في مناطق عدة، إلا أن التركيز الإعلامي انصب على مفاعلها الذي بني بتعاون روسي في أبو شهر· وهناك بعض التقارير التي تشير إلى مفاعل نووي سري في (ناتانز ) في وسط البلاد ·
والحقيقة أن دوافع إيران للحصول على سلاح نووي كثيرة· فالنظام السياسي مهدد من الخارج، والتجربة التاريخية لإيران في علاقاتها مع الدول الكبرى تدفعها إلى محاولة الحصول على سلاح رادع مثل السلاح النووي· كما أن وجود جيران لهم مثل هذه القدرات في كل من الهند وباكستان وإسرائيل، يدفع بلا شك إيران للحصول على مثل هذه القدرات·
ونجحت إيران في الماضي بتخفيف الاندفاع في برنامجها النووي تبعاً للضغوط التي مورست عليها خلال النصف الثاني من عقد التسعينيات· غير أن التهديدات الأميركية في الوقت الحاضر والتحدي الذي مثلته كوريا الشمالية بامتلاكها للسلاح النووي والوقوف بقوة ضد أي تهديد خارجي موجه ضدها، يمثلان عنصري جذب لأي سياسي إيراني يرى أن بقاء النظام السياسي في بلاده مرهون بحصولها على قوة رادعة حقيقية·
غير أن إيران كذلك لا يمكنها تحدّي الدول الأوروبية والولايات المتحدة في آن واحد· خاصة أن الولايات المتحدة استطاعت استمالة البلدان الأوروبية إلى موقفها الضاغط تجاه طهران· وقد ربطت دول الاتحاد الأوروبي سياسات التعاون الاقتصادي والتجاري بينها وبين إيران بموضوع تجميد برنامجها النووي، والاقتصار على الجوانب السلمية في هذا المشروع ·
وتحاول إيران أن تكسب الوقت حتى تتمكن من النجاح في تخصيب كميات كافية من اليورانيوم تس