الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش أمام الأمم المتحدة الثلاثاء الماضي تأتي ردا على أولئك الذين يريدون لنا أن نفشل في إعادة بناء العراق· في أحد مقاطع تلك الكلمة قال بوش بلهجة حازمة: نحن نريد حكماً ذاتياً لشعب العراق يتم تحقيقه من خلال عملية ديمقراطية منظمة، ليست متعجلة وليست أيضا مؤجلة بسبب رغبات الأطراف · ولكن السؤال هنا هو: هل ستقوم الحكومات التي رفضت مساعدتنا في الإطاحة بالديكتاتور العراقي بالانضمام إلينا في إنهاء مهمتنا في العراق؟ وهل سيرحب العراقيون بتلك المساعدة ويضعون حدا للتخريب وأعمال القنص من قبل أنصار صدام العنيدين؟
المدخل للإجابة على السؤالين يتمثل في تركيا الدولة الديمقراطية الوحيدة من بين الدول المجاورة للعراق· لقد ارتكبت الحكومة التركية خطأ قبل الحرب، هو أنها بدت وكأنها تفرض سعرا محددا مقابل تقديم مساعداتها، ولكن الجرح الذي نتج عن ذلك الموقف يبدو لدهشتنا وكأنه في طريقه إلى الشفاء· لقد قمت بتوجيه سؤال مباشر لـ عبدالله جول وزير الخارجية التركي أثناء حضوره لاجتماعات الجمعية العمومية وذلك عندما سألته: هل ستقوم الحكومة التركية الآن بالاستجابة لطلب بوش بإرسال قوة تركية ضخمة كي تساعد على تحقيق الاستقرار في العراق؟ · وكانت إجابة جول هي: إن الرأي العام التركي يتغير الآن··· لأن إقامة عراق مستمر ومسالم هو شيء يحقق مصلحة تركيا··· وإذا ما قامت حكومتنا بإرسال هذه التوصيات إلى البرلمان الذي سيجتمع الأسبوع القادم فإنني لا أعتقد أنه سيرفض الموافقة عليها ·
وعندما سألته: هل هناك حاجة لاستصدار قرار آخر من مجلس الأمن؟ قال جول : سيكون ذلك أمرا مساعدا على قيام تركيا بإرسال تلك القوات ، كما سيساعدها أيضا أن يقوم مجلس الحكم العراقي بتوجيه دعوة رسمية لها للقيام بذلك · وعندما سألته عن موقف الجنرالات الأتراك الذين التزموا الصمت عندما رفض البرلمان التركي قبل حرب العراق السماح للقوات الأميركية بعبور الأراضي والأجواء التركية، رد وزير الخارجية التركي قائلا: هؤلاء الجنرالات يؤيدون الآن إرسال قوات تركية إلى العراق ·
وأكد السيد جول الذي بدا لي هذه المرة كرجل دولة حقيقي، أن استجابة تركيا للطلب الخاص بتقديم مساعدات للعراق الجديد، لن تقتصر فقط على تقديم قوات متخصصة في مقاتلة الإرهاب، ولكنها ستتضمن تقديم إمداد كهربائي، و تزويد العراق بفرق متخصصة في تنقية المياه، وبأطباء ومواد طبية· كل ذلك سيكون جزءاً من الصفقة المعروضة، وسيساعد على تأسيس علاقة جيدة بين شعبي الدولتين، المختلفين عرقيا·
يقودنا هذا إلى السؤال التالي: هل سيؤيد الزعماء العراقيون الذين قمنا بتعيينهم في مجلس الحكم العراقي دعوة بوش- بلير لإرسال المزيد من القوات الأجنبية للمساعدة على استعادة النظام في العراق، إلى أن يتم تدريب قوات شرطة عراقية كي تقوم بتلك المهمة؟
ونظرا إلى أنه يضم مجموعة متنوعة، فإن مجلس الحكم العراقي انقسم على نفسه بشأن هذه النقطة· فهؤلاء الذين تحدثت إليهم، ابدوا استعدادا للترحيب بقوات حفظ سلام تتكلم العربية يمكن تقديمها من قبل دول مثل الأردن، وعمان، والمغرب· ولكن الهوية الإسلامية لهؤلاء الجنود ليست كافية، فالعراقيون لا يريدون أن يروا قوات هندية أو باكستانية أو تركية وهي تقوم بالانضمام إلى قوات التحالف الموجودة الآن في العراق، على رغم أن الدولتين الأخيرتين مسلمتان·
بعض أعضاء المجلس يزعمون أنهم قادرون على حراسة العراق باستخدام مليشيات محلية مثلما فعل الأكراد العراقيون في الشمال - على رغم أننا نحن الذين تمكنا من حمايتهم من بطش صدام لعقد من الزمان بواسطة قواتنا الجوية· ولكن هذا النمط السريع من الحلول يتماشى إلى حد كبير مع طلبات فرنسا وروسيا بخروجنا من العراق بأقصى سرعة، قبل أن نتأكد من أن الحرب الأهلية لن تندلع، أو أن ديكتاتورا جديدا لن يقوم بالاستيلاء على السلطة·
ونظرا إلى أنها تحررت عقب حقبة من الديكتاتورية المعوقة، فإن بعضا من الشخصيات التي قمنا بتعيينها في مجلس الحكم العراقي تبدو كما لو كان قد تم إغراؤها بـ ترك عكازاتها عند الباب على حد تعبير الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت · وهذا شيء مفهوم ولا غرابة فيه، ولكن أيا من تلك الشخصيات التي انتقيناها لم يحصل حتى الآن على تفويض من الشعب العراقي يخوله السير على طريق الديمقراطية· ففي البداية لابد من إجراء عملية تطهير عسكري، وبعد ذلك تأتي مسألة السيادة الدستورية، وبعد ذلك الانتخابات، بحيث تتم العملية بشكل غير متعجل وغير مؤجل في الوقت نفسه يمنح الشرعية ويقدم نموذجا للعالم العربي في الوقت نفسه·
وقد عبر أحمد الجلبي (رئيس مجلس الحكم العراقي للشهر الحالي ومرشح البنتاجون المفضل دائما) و الذي تمكنت من الاتصال به تليفونيا في مصعد في نيويورك عن عرفانه الشديد بالجميل للولايات المتحدة الأميركية، وذلك قبل أن يضيف قائلا: ستكون بيننا خلافات في وجهات النظر ولكن لن نكون أبدا على خصام · وأبلغني الجلبي أن النواب الأتراك يقومون منذ فترة ب