في الفترة الماضية هيمنت الموضوعات الملحة، ومنها موضوع إصلاح علاقات الإدارة الأميركية المتدهورة مع حلفائها، وإصدار تفويض جديد يؤدي إلى مشاركة أوسع نطاقا من قبل الدول في تشكيل قوات حفظ السلام ،وتوسيع نطاق المشاركة في تقاسم أعباء جهود إنقاذ الوضع في العراق عقب الحرب، على المناقشة الدائرة بشأن دور الأمم المتحدة في العراق· أما في الوقت الراهن فإن تلك المناقشة، تتركز بشكل أساسي على إصرار فرنسا ودول أخرى غيرها، على ضرورة قيام الولايات المتحدة وبريطانيا- باعتبارهما سلطة الاحتلال المهيمنة على مقاليد السلطة في العراق- بنقل تلك السلطة إلى العراقيين في أقرب وقت ممكن· والأمر الذي غاب في متاهات السياسات المتضاربة ، والمزايدات السياسية، والتنافسات الدولية، هو وجود حوار ذكي يهدف إلى التوصل إلى أفضل الطرق، التي يمكن بها دفع عملية التحول الديمقراطي في العراق التي وعدت بها الإدارة الأميركية· ويذكر في هذا السياق أيضا أن المنازعات الدبلوماسية، والصراعات بين الدول، قد فشلت في إقامة حوار يكون هدفه الأساسي وضع خطط محددة، يمكن للأمم المتحدة من خلالها أن تساهم بأفضل طريقة ممكنة، في تحقيق الهدف الخاص بخلق عراق حر وديمقراطي·
لعل أكثر نماذج هذا الفشل وضوحا، هو عدم وجود أي جهد من أي جانب، لإشراك فريق أفراد الأمم المتحدة الذي قام بتقديم تقرير التنمية العربية السنوي الممتاز الذي أصدرته المنظمة الدولية العام الماضي وحظي بمصداقية كبيرة· ويذكر أن 30 خبيرا ومحللا سياسيا عربيا يعملون تحت إشراف الأمم المتحدة، قد قاموا منذ عام تقريبا بإصدار هذا التقرير، الذي وجه إدانة شديدة للتخلف الاقتصادي والسياسي السائد في العالم العربي·
وقدمت هذه الوثيقة مخططا واضحا ومتسقا لمعالجة المشكلات التي يعاني منها العالم العربي، يتضمن إجراء عملية إصلاح تعليمي شاملة يكون هدفها في النهاية، هو توسيع دائرة الفرصة المتاحة أمام الشباب العربي للالتحاق بالتعليم الجامعي، وتقديم نوعية جديدة من التعليم الذي لا يخضع لتأثير الجماعات المتشددة، ويخلو من المغالطات الإيديولوجية· وأوصت تلك الوثيقة بضرورة التخلي عن طرائق التعليم التقليدية التي تقوم على الحفظ عن طريق التكرار، والاتجاه بدلا من ذلك إلى الوسائل الحديثة في التعليم، التي تقوم على التفكير الخلاق، والحوار الحر، وتنمية القدرة على حل المشكلات التي تواجه المجتمع والطلاب في شتى مناحي الحياة· كما يذكر أيضا أن ذلك التقرير قد احتوى إلى جانب ذلك على الخطوات الكفيلة بتعليم المرأة التي تمثل نصف المجتمع في الدول العربية، وعلى دعوة موجهة للقطاع الحكومي والخاص للعمل على توفير فرص العمل للمرأة حتى يمكن لها المساهمة بشكل إيجابي في عملية التنمية الاقتصادية في البلاد العربية· ومن الأمور الأخرى التي لا تقل أهمية عن ذلك، والتي ركز عليها التقرير في الوقت نفسه، ضرورة توفير المعلومات و تأسيس وسائل إعلام غير خاضعة للسيطرة الأيديولوجية لبعض الجماعات أيا كانت توجهاتها· بشكل مختصر، يمكن القول إن التقرير تطرق تقريبا إلى كافة المشكلات التي تواجه الدول العربية بشكل عام، وتواجه عراق ما بعد الحرب بشكل أخص·
ونظرا إلى أن التقرير كان من إعداد علماء وباحثين عرب من المشهود لهم بالقدرة والنزاهة، فقد كان من الطبيعي أن تترتب عليه أصداء واسعة شملت كافة أرجاء العالمين العربي والإسلامي··· كما كان من الطبيعي أيضا أن يؤدي إلى إثارة حوار يشترك فيه رجال التعليم والمربون والمثقفون، حول الطرق التي يمكن بها للعالمين العربي والإسلامي، أن يتغلبا على كافة المشكلات التي تعترض طريقهما وهو ما أدى إلى ما حظي به هذا التقرير من مصداقية وشرعية لدى كافة الأطراف ذات الاهتمام بالشأن السياسي في المنطقة·
والولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، أمامهم الآن خيار إعطاء الفرصة لهذا الفريق من الخبراء والمحللين كي يقوم بدور في جهود إعمار، وإقامة دولة ديمقراطية تتوافر لها مقومات البقاء في العراق· ففي رأيي أنه لا توجد هناك مجموعة تتوافر لديها القدرة على فهم التحديات التي تواجه العراق في الوقت الراهن أفضل من هذه المجموعة كما أنه ليس هناك مجموعة خير من هذه المجموعة يمكن أن تحظى بآذان صاغية، وتقدير من جانب نظرائهم العراقيين من الخبراء والباحثين، أو حتى من كافة أفراد الشعب العراقي·
ومن ضمن الأدوار التي يمكن أن يلعبها هذا الفريق من العرب ذو العقليات الإصلاحية هو التفاعل مع، وتقديم النصح للعراقيين وأفراد الأمم المتحدة وسلطات الاحتلال الأميركي والبريطاني، بشكل يؤدي إلي إزالة بعض المخاوف والالتباسات من جانب العرب بشأن النوايا الاستعمارية الغربية، و التي يتم الترويج لها بشكل أساسي من قبل الجماعات الديماغوجية التي تحاول استغلال تلك المخاوف لتعطيل التقدم وعرقلته· ولو تم البدء في هذا المجهود الذي يقوده العرب، فإنه يمكن أن يؤدي إلى إحداث تأثير هام على بقية العالم العربي · بل قد يؤدي إلى شعور الع