إثر حربين طويلتين باهظتي التكلفة، خاضتهما الولايات المتحدة الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، فما هي خطتها للفوز بأي منهما يا ترى؟ وكيف يبدو لها هذا النصر القابل للتحقق؟ لنقل ابتداءً إن هذين السؤالين يستمدان إلحاحهما وآنيتهما من تصاعد موجة العنف مؤخراً في أفغانستان، مقترنة بسيادة شعور عام في أوساط كبار القادة الأميركيين في كلا الحزبين، بضرورة الإسراع في إعادة نشر الجزء الأكبر من مواردنا وجنودنا في أفغانستان بدلاً من العراق. وفي سياق الإجابة على السؤالين المثارين أعلاه من المؤكد في الوقت الحالي، أنه ليس من سبيل لأي تشابه محتمل لحيثيات النصر الذي يمكن إحرازه في أي من الحربين الأخيرتين، وذلك الذي حققه أجدادنا في الحروب التي شهدتها منطقة المحيط الهادئ في عام 1945. ففي ذلك الوقت، حضر إلى ولاية ميسوري الأميركية كل من وزيري الدفاع والخارجية اليابانيين بطائرة خاصة من بلديهما، بغرض التوقيع على وثيقة استسلام وتسليمها إلى الجنرال دوجلاس مكارثي، الذي كان يتولى مسؤولية احتلال اليابان حينئذ. وخلافاً لما هو عليه الحال في حربي العراق وأفغانستان، فإن النصر الذي يمكن إحرازه فيهما، لا يعتمد على إلحاق هزيمة ماحقة بقوات جيوش حكومية عدوة لجنودنا. بل يعتمد الانتصار في أي من الحربين على هزيمة أو خلع أنياب مجموعات من المتمردين على حكومات بلادهم، إلى جانب المساعدة في بناء نظام حكم جديد تتوفر فيه المواصفات التالية: أولاً، اكتساب الشرعية السياسية الداخلية، أي أن يكون قادراً على اكتساب التأييد الشعبي من قبل الغالبية الساحقة للمواطنين. ثانياً: القدرة المستدامة على توفير خدمات الأمن العام وغيرها من الخدمات الأخرى الأساسية لكافة المواطنين في جميع أنحاء البلاد. ثالثاً: أن يتمتع بالقدرة على حل النزاعات القائمة بين مواطنيه، بالوسائل السلمية البعيدة عن العنف. وأكثر ما نخشاه أن تتكرر تجربة حرب فيتنام السابقة في أي من الحربين الجاريتين الآن في العراق وأفغانستان. ففي الأولى كانت الولايات المتحدة قد أعلنت "النصر"، بينما اضطرت عملياً للانسحاب العسكري المهين -تحت أزيز الرصاص- تاركة وراءها "منتصرين" مزعومين أطلقت أيديهم لارتكاب أبشع جرائم الانتقام الوحشي بحق حلفائنا السابقين هناك. وعليه فإن هناك جهة واحدة فحسب، لها كامل القدرة على توفير القيادة الكفيلة بإلحاق الهزيمة بمتمردي العراق ثم أفغانستان على المدى البعيد، ألا وهي الأمم المتحدة. فعلى رغم عدم خلوها من العيوب والنقائص، إلا أن الأمم المتحدة تتسم بكونها المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية الدولية التي تسمح لها بتعبئة ونشر الموارد والخبرات الدولية، القادرة على اتخاذ القرارات الصعبة في كلتا الدولتين اللتين يدور فيهما النزاع. وفيما يتصل بالعراق، فإننا بحاجة عاجلة إلى أن نطلب من الأمم المتحدة عقد منبرين تفاوضيين طارئين، على أن يخصص أحدهما للتصدي للمعضلات السياسية الشائكة التي يواجهها العراق، في حين يخصص المنبر الثاني لدعوة العراق وكافة الدول الإقليمية المجاورة له، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وربما جامعة الدول العربية، للتوصل إلى اتفاق مشترك على خطة تستهدف خفضاً أو انسحاباً كاملاً للقوات الأميركية من بلاد الرافدين، على نحو لا يترك مجالاً للدول الإقليمية المجاورة لاستغلال "الفراغ" الذي ستخلفه القوات الأميركية وراءها. وبالقدر نفسه، تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى قيادة أممية كهذه لحربها الدائرة حالياً في أفغانستان. فبالنظر إلى الوضع السياسي الدولي الراهن، فإنه يصعب جداً على أميركا وحلف "الناتو" إحراز نجاح يذكر في "تحييد" دولة بتمرد أفغانستان على التدخل الأجنبي، إضافة إلى بعدها الجغرافي والسياسي والثقافي عن أميركا ومجموعة دول حلف "الناتو". يذكر في هذه المناسبة أن زبيجينيو بريجنسكي، خبير الأمن القومي الشهير، قد حذر الولايات المتحدة الأميركية للتو، من مغبة الوقوع في ذات الفخ الأفغاني الذي وقع فيه السوفييت من قبل. ولابد من توجيه الدعوة في صنع القرارات الخاصة بأفغانستان، إلى الدول غير المنتمية إلى حلف "الناتو"، ولاسيما أن المخاطر التي تواجهها هذه الدول الأخيرة جراء فشل عملية التحول السياسي في أفغانستان، تزيد في الواقع على تلك التي نواجهها نحن وحلفاؤنا في حلف "الناتو". ولابد من الإشارة هنا إلى أن "الناتو"، خلافاً للأمم المتحدة، يبقى تحالفاً عسكرياً باستمرار. وهذا ما يجعل الأمم المتحدة -دون غيرها- هي المؤسسة الدولية الوحيدة القادرة على توفير مجموع الأدوات والاستراتيجيات اللازمة لبناء عملية السلام طويل الأمد في أفغانستان، على نحو ما فعلت ذلك بنجاح في كل من موزمبيق وكمبوديا وغيرهما من قبل. وفي الغالب الأعم أن تتضمن هذه الأدوات والاستراتيجيات، نشر وحدات دولية لحفظ السلام أو تنفيذه. بيد أن الحاجة ستنشأ في الوقت ذاته، للعديد من أدوات العمل غير العسكري، طالما أن الهدف النهائي لهذه الجهود الدولية، هو جعل أفغانستان دولة ذات نظام فاعل ومستقل، ولا مصلحة لمواطنيها البتة في إيواء الإرهابيين ولا لوردات المخدرات. ولا بأس من تكرار القول إن الأمم المتحدة وحدها، تتمتع بالشرعية والقدرات التقنية والثقافية التي تؤهلها لقيادة هذه الجهود. وإذا كان ذلك هو الاتجاه الصحيح، فإنه لا مناص لبلادنا من إعادة توثيق تحالفها مع الأمم المتحدة، وهو التحالف الذي أحدثت فيه شروخاً عميقة، سياساتُ واشنطن الخرقاء إزاء المنظمة الدولية طوال السنوات الأخيرة. وعلينا أن نتذكر اليوم أن الأمم المتحدة نفسها، لم يكن ميلادها سوى ثمرة لمبادرات وجهود قادة أميركيين أكثر حكمة وكياسة من قادتنا الحاليين، وأنها تظل، في كل الأحوال، رمزاً شامخاً لأعظم إنجازات بلادنا. هيلينا كوبان كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"