الأفواه والسماء تمطر ذهباً
مما لاشك فيه أن أحداً لم يكن يتوقع أن يأتي زمن يستطيع فيه البعض الحصول على الذهب (الأموال) من الأفواه والسماء. والمقصود بذلك أن عصر العولمة قد حقق من المعجزات ما يفوق خيال الإنسان، حيث أصبح للفكر ثمن، وللكلام ثمن، وللشمس ثمن، وكلها حصل عليها الإنسان مجاناً من الله، فلم يتعب نفسه في استخراجها أو البحث عنها.
فأما الأفواه بما تضمه من لسان وشفتين وخلافه فتقدم الكلام الفاضي والمليان، وحيث يتحرك اللسان باللغو والهذر، وقديماً قيل "اللسان ليس به عظْمة". وكل هذا الهذر واللغو الفارغ الذي يتفوَّه به الناس صباحاً ومساء عبر التليفون أو المسرّة كما يقول أهل اللغة، أو الهاتف الجوال، يوفر مليارات الدولارات حول العالم، خاصة في العالم العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، حيث لا همّ للناس، خاصة الشباب من الجنسين، سوى تضييع الوقت بالهذر الذي لا لزوم له. وقد وصل الأمر بنا إلى تفضيل دفع بضعة دراهم أو قروش على استخدام الهاتف الجوال على القيام من مكان جلوسنا لاستخدام الهاتف الأرضي الأرخص ثمناً للمكالمة. وأما شبابنا -الله يحميهم- فلا شيء يحول بينهم وبين الكلام على مدار الساعة. في الجامعة والأسواق، واقفين وقاعدين، وحتى نائمين، لو تمكنوا من ذلك. وفي الوقت نفسه تتلقى شركات الاتصال ملايين الدولارات يومياً. ومن مزايا الكلام والهذر في الجوال، أن هذا الأمر حقق ولأول مرة في التاريخ البشري، مبدأ المساواة، وهو ما عجز عن تحقيقه الفلاسفة والحكماء والمفكرون منذ الأزل. فالسيد والمسود (يعني العم والخادم) لديهما هاتف جوال. والوزير والخفير لديهما هاتف جوال، والصغير، والوالد والولد، والأم والبنت. ولم يتبق سوى الدلافين التي ربما يتوصل إلى اختراع يجعلها تتكلم مثل البشر، وسيكون أيضاً كلامها، بفلوس.
الشمس الحارقة التي تصب النار على رؤوس البشر في منطقة الخليج والربع الخالي، وصحاري كلهاري، أيضاً أصبحت مجالاً لكي يحصل المختصون في علم الطاقة الشمسية على الأموال مجاناً بمجرد أن يتم التوصل إلى طريقة رخيصة للطاقة، بعدها وربكم، راح نأكل الهواء في الخليج. وكمواطن خليجي أقول، الله لا يوفق العلماء في مجال الطاقة الشمسية؛ لأنهم سيجعلون البترول العزيز على قلوبنا رخص التراب. لكن مع ذلك فمن الواضح أن هؤلاء العلماء سيحصلون على أضعاف ما يحصل عليه بائعو الكلام عبر الهاتف الجوال، في المستقبل، الذي أتمنى أن يكون بعيداً، لكن هيهات. وليس من المبالغة القول: إن الطاقة الشمسية ستكون مصدراً رخيصاً للطاقة في المستقبل القريب. والمفرح في هذا الخبر أننا في الخليج سنبيع الطاقة الشمسية التي تتوافر لدينا أكثر من الهمّ على القلب، بعد أن كنا نبيع النفط. فمن رحمة الله بنا أن جعل البرد عند الأجانب شديداً، بحيث إنهم سيحتاجون لاستيراد "شمسنا" الحارقة للحصول على الطاقة. قسماً بالله أن الشعب الخليجي هو الشعب المختار، وليس اليهود كما يزعمون.
وأما الكلام حول الملكية الفكرية فالحديث فيها يطول، وليس هذا مقامه. لكننا كشعوب لا نعرف شيئاً اسمه الملكية الفكرية، فالأمر لا يهمنا في قليل أو كثير، ما دامت أقراص الـ"سي دي" تباع على الأرصفة برخص التراب. وأما الكتب التي يؤلفها الغرب فلسنا بحاجة إليها، وإن كان من حقنا ترجمة أي كتاب غربي دون أن ندفع فلساً واحداً ثمناً للترجمة على أساس أنهم (الغربيون) قد سرقوا من كتب التراث العربي كما يريدون, هل سمعتم قط عن مستشرق دفع ثمناً وهو "يحصل" على المخطوطات التي تكتظ بها متاحف الغرب؟ بالطبع كلا، لماذا يجب علينا إذن، دفع مقابل مالي لترجمة كتبهم؟ وهذه رخصة للسرقة الأدبية التي لا يعاقب عليها الشرع. فاسْرقوا أيها المترجمون، ولا تخافوا.