شهدت بعض دول الخليج العربي في الآونة الأخيرة موجة من الاحتجاجات قام بها العمال الأجانب العاملون في هذه البلدان، وذلك لأسباب عديدة تتمحور حول تأخر صرف المرتبات الشهرية وتحسين ظروف العمل. وقد لاقت هذه الاحتجاجات صدى واسعاً في وسائل الإعلام الخارجية، إلا أن وسائل الإعلام هذه نقلت أساساً، من جانب واحد، صورة سلبية عن أوضاع العمال الأجانب، في حين يتطلب الأمر تقديم صورة موضوعية تتناول مواقف كافة الأطراف المرتبطة بهذه القضية، التي تحمل الكثير من الجوانب الاجتماعية والإنسانية. ولعل مَن تابع أوضاع الأيدي العاملة في دول الخليج خلال السنوات العشر الماضية سيدرك أن هناك مكاسب عديدة تحققت وأدت إلى تحسين ظروف العمل، ففي السنوات القليلة الماضية تمت صياغة عقود العمل بمشاركة السفارات التي ينتمي إليها العمال الأجانب، كما اتخذت قرارات تتعلق بوقف العمل وقت الظهيرة ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف والساعة الثالثة ظهراً في شهري يوليو وأغسطس من كل عام. إلى جانب ذلك شملت الزيادات في الأجور، التي أعقبت ارتفاع معدلات التضخم في العامين الماضيين العمال والموظفين الأجانب وهي سابقة تحدث لأول مرة في بعض دول الخليج، حيث اقتصرت الزيادات في السابق على المواطنين الخليجيين. وفي نفس الوقت حدث تحول مهم في وسائل النقل والسكن، فالانتقال يتم من خلال باصات بدلاً من الحافلات المكشوفة، كما تم بناء مجمَّعات سكنية تتوفر فيها وسائل التكييف والمرافق الصحية، وتعمل بعض بلدان المنطقة على إقامة محطات مكيفة لانتظار وسائل النقل العامة، كما هو الحال في دولة الإمارات، وذلك لحماية المستخدمين الأجانب من قساوة الطقس في أشهر الصيف الحارقة. وكل هذه الإنجازات لم تتم بسبب الاحتجاجات، التي لم تحدث في السابق، وإنما تمت بمبادرات محلية، حيث هناك تعاطف رسمي وشعبي يرمي إلى تحسين الظروف المعيشية للأيدي العاملة الأجنبية من خلال سن الأنظمة والقوانين التي تلزم الشركات بتوفير المتطلبات الأساسية للعاملين. التطورات الإيجابية هذه يساءُ إليها، للأسف، من خلال تصرفات بعض الشركات الخاصة التي لا تراعي الاعتبارات والأنظمة المعمول بها في دول مجلس التعاون الخليجي، فعمدت إلى تأخير صرف الرواتب وخرقت فترة التوقف عن العمل في أوقات الظهيرة ولم تلتزم ببعض البنود المنصوص عليها في عقود العمل وقوانين العمل والعمال. ويمكن الإشارة، بكل تأكيد، إلى أن مثل هذه الخروقات مسألة غير مقبولة لا من الوزارات المعنية والمؤسسات الرسمية ولا من المواطنين الخليجيين أنفسهم، بدليل العقوبات والغرامات التي فُرضت على مئات الشركات التي لم تلتزم بقرارات وزارات العمل، كما يمكن الإشارة إلى المواقف الإيجابية التي اتخذها مجلس الأمة الكويتي أثناء الاحتجاجات التي شهدتها الكويت مؤخراً. وإذن فإن المسألة ليست عامة كما تصورها وسائل الإعلام الأجنبية وتحاول أن تُسيِّسها للإساءة إلى بلدان الخليج، ومثل هذه التجاوزات تحدث في مختلف بلدان العالم، إما بسبب الأزمات المالية التي تتعرض لها الشركات وإما بسبب محاولتها تعظيم الأرباح على حساب العاملين، إلا أن الأنظمة والقوانين في كل الأحوال تضمن حقوقهم. ولذلك، فإن ما حدث في الكويت مؤخراً يستلزم وقفة جادة لمعالجة هذه المستجدات، فمن جهة هناك محاولات رسمية صادقة لتحسين ظروف العمال الأجانب، حيث تلقى هذه المحاولات الحكومية دعماً وتعاطفاً شعبياً، ويقابلها تصرف بعض الشركات المحلية وبعضها أجنبي يحاول الإساءة إلى هذه التوجهات الرامية إلى تعزيز السلم الاجتماعي وضمان حقوق العاملين الأجانب. ولاشك أن الآراء الواردة آنفاً يؤكدها الاستفتاء الذي قامت به مؤسسة أجنبية، الذي احتلت بموجبه دولة الإمارات ثاني أفضل مكان مناسب لإقامة الأجانب في العالم، علماً بأن هذا الاستفتاء شارك فيه المقيمون في بلدان الخليج. وهذه الوقفة الجادة لابد وأن ترمي أيضاً إلى إبعاد المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها تصرفات شركات خاصة لا تأخذ بعين الاعتبار حساسية الموقف، وبالأخص موقع دول المجلس في العلاقات الدولية، كما أن معالجة هذه المسائل يمكن أن تقطع الطريق أمام من يحاول النَّيل من بلدان المنطقة، وتضمن في نفس الوقت حقوق العاملين الأجانب، الذين ساهموا ويساهمون بجهود كبيرة في تنمية دول المجلس وتقدمها. ومفهومٌ أن تعميق الإيجابيات التي تحدثنا عنها ومعالجة السلبيات مسألة ممكنة وغير قابلة للتأجيل، وخصوصاً أنها مقبولة من كافة الأطراف الفاعلة في المجتمعات الخليجية، الرسمية منها وغير الرسمية، لقناعتها بالمردود الاقتصادي والاجتماعي الكبير للانسجام والسلم الاجتماعي.