أزمة تعليم أم إدارة؟
من المفارقات الغريبة التي تواجه دول الخليج العربية، وجود أكثر من عشرة ملايين عامل أجنبي يعملون فيها، ومع ذلك تعاني هذه الدول من البطالة بين مواطنيها!
وزير التعليم العالي السعودي صرح بأن الجامعات السعودية ستقبل هذا العام 88% من خريجي الثانوية العامة البالغ عددهم 267 ألف طالب، وأضاف أن الجامعات السعودية البالغ عددها عشرين جامعة، ستقبل ما يزيد على 38% من عدد طلابها الحاليين. ومن المتوقع أن يصل عدد الطلاب السعوديين في الجامعات خلال السنوات الخمس القادمة الى حوالى مليون طالب.
دول الخليج العربية ليست أفضل حالاً من السعودية، فالقبول في الجامعات الحكومية والخاصة فاق كل التوقعات حتى وصل الأمر إلى قبول طلاب يفوق إمكانية الجامعات في استقطابهم.
في كل دول العالم تعتبر هذه الظاهرة صحية بما في ذلك توفير قوى بشرية متعلمة تسد النقص في كل المجالات التي يحتاجها الاقتصاد الوطني، لكن في دول الخليج أصبح الخريجون من المواطنين يشكلون عبئاً إضافياً على الدولة لأنهم ليسوا مؤهلين ولا مدربين تدريباً جيداً لأخذ مسؤولية العمل في القطاع الخاص... لذلك ينتهي بهم المطاف موظفين في الدولة الريعية الحكومية.
الإشكالية تكمن في نوعية التعليم في دول الخليج، فهو فيما عدا كليات الطب والهندسة، لا يرقى للمستوى المطلوب الذي يؤهل الطلبة لسوق العمل، ولا يزال مستوى التعليم متدنياً حيث لا تزال المدارس الحكومية متمسكة بالمفاهيم القديمة للتعليم وهي التركيز على الحفظ والتلقين والبعد عن التفكير الحر والتعليم الخلاق والابتكاري الذي يعتمد على مخاطبة عقل الإنسان وتدريب حواسه واستثارة خياله ووجدانه، فهذا النوع من التعليم يجعل الأنشطة الفنية والإبداعية جزءاً أساسياً في نظام التعليم وليس اختيارات غير ملزمة للطالب.
تكدسُ الخريجين من المواطنين في المؤسسات الحكومية، يجهض كل المحاولات الجادة للنخبة... فهل يعقل أن تصل نسبة المواطنين في القطاع العام إلى 94%، كما هو الحال في الكويت، وأن تصل نسبة الكويتيين من إجمالي قوة العمل 36% فقط؟ ماذا تعني هذه الحقائق؟ إنها تعني فشل استراتيجيات دول الخليج العربية التي أكد سياسيوها قبل 40 عاماً أنهم يسعون إلى تقليل الاعتماد على النفط وتخفيض نسبة العمالة الأجنبية إلى معدلات منخفضة جداً! الآن نرى أن ازدياد اعتمادنا على النفط بدأ يتزايد في دول الخليج، ما عدا دولة الإمارات التي نجحت محاولاتها في تقليل الاعتماد على النفط، لكن زاد اعتمادها على العمالة الأجنبية.
الإضرابات والاحتجاجات العمالية في دول الخليج، والتي كان آخرها إضرابات عمال النظافة في الكويت، تعتبر جرس إنذار لدول الخليج إذا لم تحسن أوضاع التعليم في بلدانها وتعيد النظر فيه ليواكب روح العصر. وهذه المهمة ليست سهلة، لاسيما في ظل وجود قطاع كبير من المواطنين الرافضين لروح الحداثة والسير فيها. علينا أن نعترف بأنه لا يمكن الجمع بين الحفاظ على القيم والتقاليد القديمة، ومحاولة دخول العصر الحديث في وقت واحد... علينا أن نختار بين العلم الحديث والحداثة وروح العصر الجديد، وبين الاستمرار في نهجنا القديم والقائم على التأكيد بأن عاداتنا وتقاليدنا لا تعيق التوجه إلى العلم والحداثة. التجارب الإنسانية تخبرنا بأن دخول عصر العولمة يتطلب تغيير طريقة التفكير والنظرة إلى العالم.. علينا أن نعيد السؤال المطروح دائماً: "لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون"؟