ثمة أشياء كثيرة أريد أن أصبح مستقلاً عنها، ولكن النفط الأجنبي ليس واحداً منها، بل إن النفط الأجنبي هو أفضل أنواع النفط في نظري؛ لأنه يعني أن تسد دولٌ أخرى شواطئها بالشاحنات قبيحة المنظر وتقوم بالعمل الخطير وتعاني من الأخطار البيئية؛ وعلى رغم ذلك كله، أستطيع القيام بجولة بسيارتي الـ"ميني كوبر" في شارع "سانسِت". ولذلك، أرى أن التنقيب عن النفط قطاع يتعين على أميركا ألا تعيره كبير اهتمام. بيد أن باراك أوباما وجون ماكين أمضيا هذا الأسبوع -في الخطابات والإعلانات التلفزيونية- يتجادلان حول من منهما أكثر جدية من الآخر بخصوص تحقيق الاستقلال عن النفط الأجنبي. كلاهما يرغبان في التنقيب عن النفط في البحر على رغم أن ذلك لن ينتج مزيداً من الجازولين إلا بعد فترة طويلة، بعد أن نمتلك جميعنا سيارات كهربائية. كما أن كليهما يرغبان في خفض أسعار الوقود عبر اللجوء إلى "المخزون النفطي الاستراتيجي"، وذلك على رغم حقيقة أنه لا توجد حاجة ملحَّة أو عاجلة إلى ذلك، وحقيقة أن الأسعار المرتفعة هي الوسيلة الفعالة الوحيدة التي تحمل الأميركيين على خفض استهلاك النفط الأجنبي. ولعل الشيء الذكي والمثير للاهتمام الوحيد الذي سمعته هو نصيحة أوباما للأميركيين بأن يحرصوا على التأكد من أن إطارات سياراتهم منفوخة بشكل كامل -وإن تغاضى عن حقيقة أن محطات الوقود لم تعد تقدم خدمة نفخ إطارات السيارات بالمجان، وأن هذه الخدمة التي باتت مدفوعة الأجر في المحطات ليست بالمستوى المطلوب. والحقيقة أنني فوجئت لأنه لم ينصحنا -ضمن نصائحه لنا بالاقتصاد في استعمال الوقود- بألا نثق في الخرائط المجانية لشركة "أموكو" (النفطية) التي تجعلنا نتوه. والواقع أنه لو كان المرشحون الرئاسيون يرغبون حقاً في أن نصبح مستقلين عن النفط الأجنبي، ما كنت لأتردد في تبني هذا الهدف الأخضر؛ والحال أن كل ما هنالك هو أنهم يكرهون النفط الأجنبي كما لو أنه مختلف عن النفط الأميركي الجيد والصالح الذي يخاف الرب، النفط الذي يشتعل بالحرية ويحرق الإرهاب. علاوة على ذلك، فإنه لا يوجد بالنسبة لسوق السلع شيء اسمه نفط أميركي، أو قطن أميركي، أو ألمنيوم أميركي، أو قهوة أميركية؛ لأن كل هذه السلع تخضع لقانون السوق بدون تحيز وطني. ويشير السياسيون ضمناً إلى أننا لو كنا مستقلين في مجال الطاقة، فإن الأسعار لن ترتفع. والحال أنك إذا كنت أميركياً مستنزفاً للنفط كبقية الأميركيين، فإنك ستشتري نفطك ممن يقدم لك أحسن سعر في العالم، وليس من الأميركيين كثيري الشكوى بدولاراتهم التي باتت عديمة القيمة تقريباً. هذا إلى جانب أن المزيد من النفط الذي يُستخرج من التراب الأميركي لا يعني مزيداً من النفط لنا فقط، وإنما مزيداً من النفط في السوق الدولية. ومع ذلك، يتحدث المرشحان الرئاسيان كما لو أن الولايات المتحدة كيان اشتراكي عملاق منسجم يستطيع اختيار المكان الذي يأتيه منه النفط. والحال أن السوق الأميركي يشهد عقد الملايين من الصفقات العالمية الفردية. وحسب "إدارة معلومات الطاقة" الفيدرالية العام الماضي، فإن الولايات المتحدة اشترت النفط من 90 بلداً وصدرت النفط إلى 73 بلداً. والحال أن بلداً ما من البلدان لا يكون أكثر قوة إن هو أنتج كل شيء بنفسه. فأول دروس مادة الاقتصاد يخبرنا بأن الجميع يستفيد حين يقوم الأشخاص الذين يتفوقون في شيء ما، مثل امتلاك النفط، بالتبادل مع أشخاص يتفوقون في شيء آخر، مثل الجلوس في المكاتب والإبحار في شبكة الإنترنت. ثم إنه حتى إذا خفضنا النفط المستورد، فإننا سنظل نعتمد مع ذلك على بلدان أخرى؛ فنحن نستورد الطاقة الكهربائية من المكسيك وكندا؛ ونستورد 20 في المئة من الغاز الطبيعي، و80 في المئة من اليورانيوم من أجل المفاعلات النووية. علاوة على ذلك، فإن كل طاقتنا الشمسية "نستوردها" من الشمس! ثم إنه إذا كان الاستقلال عن النفط الأجنبي أمراً جيداً، فكذلك الحال بالنسبة للاستقلال عن السمك الأجنبي، والسيارات الأجنبية، والمشروبات الأجنبية، والأفلام الأجنبية. فهل تريد العيش في عالم بدون سمك "الماكريل" الإسباني أو سيارات تويوتا اليابانية أو المشروبات الإيرلندية؟ إن تحقيق الاكتفاء الذاتي لن يجعلنا أكثر أمناً، اللهم إلا إذا خضنا حرباً مع دول عربية نفطية وفنزويلا وروسيا والمكسيك وكندا دفعة واحدة؛ حينها سيكون تحريك جيوشنا أمراً صعباً وشاقاً. وباستثناء هذا السيناريو، فإن الاستقلال الطاقي قد لا يجعلنا أكثر أمناً؛ فحين حدث إعصارا كاترينا وريتا عام 2005، على سبيل المثال، أوصلنا النفط إلى منطقة "ساحل الخليج" المنكوبة عبر شراء مزيد من النفط من فنزويلا وهولندا. من جهته يبدو روبرت برايس، مؤلف الكتاب الجديد: "بئر الكذب: الأوهام الخطيرة حول الاستقلال في مجال الطاقة"، متأكداً من أن المرشحين الرئاسيين يدركون كل هذه الأمور، إذ يقول: "إن الخطاب يساهم في دعم تفاهاتٍ بمليارات الدولارات مثل خدعة الإيثانول"، مضيفاً "عندما يقولون: الاستقلال الطاقي فإنهم يقصدون: صوِّت لي؛ هذا هو القصد بكل بساطة". إن الحل الوحيد لخوفنا الطاقي، في تقديري، هو إصدار فواتير شهرية للجازولين، تماماً على غرار الماء والكهرباء والهاتف. فكل ذلك التحديق في السنتات والدولارات التي تدور بسرعة أثناء تزودك بالجازولين في محطة الوقود سيصيب الناس بالجنون ويجعلهم يكرهون الأجانب والشركات الكبرى. ويمكن القول لو أن الساقين في المطاعم قاموا بتركيب واحدة من تلك الأجهزة فيها، لرأينا المرشحين الرئاسيين يَعدون الناخبين بالاستقلال عن المشروبات الأجنبية أيضاً. جويل شتاين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"