ساركوزي يُهادن بكين... وأوباما ينتقم من "اليمين"


حضور الرئيس الفرنسي افتتاح أولمبياد بكين، وخلفيات صعود شعبية لمرشح "الديمقراطي" باراك أوباما، والتجاهل المر الذي لقيه المؤتمر الدولي حول مرض الإيدز، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

ساركوزي... في بكين:
صحيفة "لوموند" ناقشت في افتتاحية لها دلالة حضور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حفل افتتاح أولمبياد بكين، مؤكدة أن هذه الخطوة تؤشر إلى أنه لم يكن يعني حقاً ما ظل يردده من كلام وتصريحات قوية خلال الأشهر الماضية القريبة. وهذه حقيقة لا يلغيها كونه سيستقبل قريباً الدالاي لاما الذي سيزور باريس ابتداءً من 11 أغسطس الجاري، ذلك لأن ساركوزي باعتباره رئيساً دورياً للاتحاد الأوروبي من هنا وحتى نهاية 2008 لن يعدم صيغة ما لتهدئة استياء الصينيين من ذلك. وتذهب "لوموند" إلى أن سيد الإليزيه يخسر الآن على جميع أطراف الرقعة السياسية المُعقدة التي يتحرك عليها، سواء في ذلك مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان، أو ما آلت إليه صورة فرنسا في نظر الرأي العام الدولي، وحتى على مستوى علاقات باريس مع السلطات الصينية نفسها، التي أصبحت تعرف، بما فيه الكفاية، في أي خانة تضع مطالبات الفرنسيين، وكيف تحتويها. وليس خافياً أن ساركوزي في سياسة المصانعة والمهادنة التي يتبعها تجاه الصين يضع في حسابه الوزن المتصاعد الذي أصبحت بلاد التنين الأصفر تشكله على المسرح الدولي، وقدرتها على التأثير بقوة، سلباً أو إيجاباً، على موضوعات دولية بالغة الحساسية مثل الملف النووي الإيراني على سبيل المثال. أما افتتاحية صحيفة "ليبراسيون" ليوم أمس فقد انتقدت أداء ساركوزي ووزير خارجيته ووزيرته لحقوق الإنسان، حيث كشفوا جميعاً عن قصور في الأداء والإرادة منذ أحداث التيبت الأخيرة. وقد تميز أداء الرئيس خاصة بالازدواجية في التصريحات والتوجهات، وهذه سمة ملازمة له، ومعروفة. والظاهر أنه مع بداية الفرح الأولمبي قرر إرسال موضوعي التيبت وحقوق الإنسان إلى الموقد الخلفي. وأخيراً في افتتاحية كتبها إيف تريار في صحيفة "لوفيجارو" تحت عنوان: "فهم الصين"، دعا الدول الغربية إلى تفهم الخصوصيات الثقافية والحضارية الصينية؛ وذلك لأن الصين على رغم ما تعرفه من تطور هائل وتغير متسارع، تريد، مع ذلك، البقاء ثقافياً كما هي، لا أن تخرج من جلدها وتتبنى المبادئ والرؤى الغربية دون قيد أو شرط.

بعض أسباب شعبية أوباما:

تحت هذا العنوان جاء المقال الأسبوعي للكاتب الشهير ألكسندر أدلر في صحيفة "لوفيجارو"، الذي وصف في بدايته المرشح "الديمقراطي" بأنه أضفى صبغة ثورية على الحملة الانتخابية الرئاسية الآن في أميركا، بل وأضفاها في العمق على الحياة السياسية الأميركية في مجملها. وليس ذلك فقط لأن أوباما يرمز إلى الصعود الباهر للنخب السوداء الأميركية، (التي تضم الآن وزيرة خارجية وقائداً في الأركان، وثلاثة من مديري كبريات الشركات الأميركية، وسواهم كثير)، بل أيضاً لأنه بات يرمز إلى العودة القوية لليسار الأميركي، وأفكاره الأكثر شعبية: نزعة السلام، والحمائية، ومناهضة العسكرة، وزيادة الضرائب، ودعم برامج التضامن الاجتماعي. وكل هذه الأفكار والتوجهات السياسية تسلط عليها الضوء الآن جاذبية أوباما الشخصية ومهاراته الخطابية اللامعة، مع تمتعه بميزة قلما توافرت في صفوف أبناء الفئة الأميركية السوداء ألا وهي عدم استبطان أدنى شعور بالغبن تجاه أميركا. والظاهر -يقول الكاتب- أنه لا مفر لأميركا من أن تنتخب يوماً ما، قريباً أو بعيداً، رئيساً أسود. وهو ما سيشكل انتقاماً سياسياً لجيل كامل من أبناء اليسار، وعلى نحو يسمح لهم بإلحاق هزيمة ساحقة باليمين الأميركي وتوجهاته السياسية. ويذهب أدلر إلى أنه مثلما أن النزعات المعادية للكاثوليكية لم تسد الفرص أمام رئاسة كينيدي سنة 1960، فإن النزعات المناهضة للسود ستخفق أيضاً في مواجهة زحف شعبية أوباما الكاسح. وخاصة أن صعوده الحالي يأتي لليمين "الجمهوري" وهو في أسوأ حالات شعبيته في نظر المواطن الأميركي العادي الذي يعاني من آثار الأزمة المالية والاقتصادية، التي يتوقع أن تستمر في التفاقم حتى تبلغ الذروة بحلول أكتوبر المقبل، أي قبل يوم الاقتراع بقليل، وهذا ما يفسر المنحى الصاعد باستمرار لشعبية أوباما على حساب منافسه جون ماكين. أما هذا الأخير فنقطة القوة الوحيدة التي تصب في كفته الآن هي ما تحقق من تهدئة في العراق، ومحاولة فتح حوار صعب مع إيران.

مؤتمر "السيدا"... وُعود متبخرة:

علقت افتتاحية كتبها موريس إلريك في صحيفة "لومانيتيه" على مؤتمر مكسيكو الدولي حول مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز -"السيدا" في التسمية الفرنسية- الذي جاء حجم الاهتمام به دون التطلعات بكثير، وغابت عنه دول كان يفترض أن تكون في مقدمة داعميه، وفرنسا في مقدمتها طبعاً. والأدهى من ذلك أن قمة مجموعة الثماني الأخيرة لم تعر مقاومة هذا الوباء العالمي المدمر أي اهتمام يذكر، بل تبخرت معظم الوعود السابقة. ولو تأملنا ما تخصصه الدول لمكافحة المرض نجد أنه أقل من الاحتياجات، وأقل بكثير مما كان موعوداً. بل إن الدول الكبرى تتصرف اليوم أمام كارثة بهذا الحجم على نحو يدفع للتساؤل عما إذا كان الإيدز ما زال ينظر إليه على أنه تحدٍّ أو أولوية عالمية حقاً؟ وتقترح افتتاحية "لومانيتيه" تفسيراً لهذا الإهمال المزري لخطر صحي دولي بهذا الحجم، وذلك بكون النسبة الأكبر من ضحاياه على مستوى العالم هم من أبناء دول أفريقيا جنوب الصحراء، ومن ثم فإن الدول الغنية تتعامل معه كتعاملها مع جميع الأمراض الأخرى المصنفة على أنها خاصة بالفقراء. ونجد طرحاً قريباً من هذا أيضاً في افتتاحية في "لالزاس" حيث ذهب كاتبها إلى أن قمة الثماني الأخيرة وضعت تحدي الإيدز في آخر الاهتمامات، وكأن المعركة الإنسانية المصيرية ضد هذا المرض قد انتهت أو حسمت، رابطاً بين ما اعتبره تغولاً وطغياناً للنزعات الليبرالية على مستوى العالم وبين تآكل حجم المخصص لمكافحة الإيدز، كالتزام اجتماعي إنساني، مشيداً بشكل خاص بمساعي الرئيس البرازيلي "لولا داسيلفا" خاصة في هذا المجال.

إعداد: حسن ولد المختار