القطاع العقاري وآليات ضبط السوق
تشكّل التحذيرات التي تحملها بعض التقارير الصادرة عن مؤسسات عقارية واستثمارية متخصصة، وتتحدث عن مخاطر تتهدد السوق العقارية في الإمارات، دافعاً قوياً لإخضاع هذا القطاع الاقتصادي المهم لمزيد من التحليل والتدقيق والبحث.
وتُبرز التقارير المشار إليها الارتفاع المستمر في أسعار العقارات والقيم الإيجارية التي يتم تحصيلها من المستأجرين، وتعكس الزيادات التي تطرأ على أسعار تملّك الوحدات السكنية، معتبرة أن هذه الارتفاعات المتتالية إنما هي نتاج أنشطة مضاربية يقوم بها مستثمرون مرحليون، عوضاً عن شراء هذه الوحدات من قبل مشترين نهائيين يتملكونها بغرض السكن فيها، أو تأجيرها لآخرين بغية تحصيل دخل ثابت.
وقد ساعدت الأنباء التي ترددت مؤخراً وأشارت إلى نية الجهات المعنية فرض قيود على أنشطة المضاربة العقارية في إطلاق موجة من الجدل حول الوجهة التي ستسلكها الأسعار، في الفترة المقبلة، حيث تتنوع المقترحات قيد التداول بين منع البيع على الخريطة، أو فرض ضرائب على عمليات البيع المتكرر قبل مرور سنة، أو رفع قيمة الحد الأدنى للمقدم الذي يدفعه المشترون، وهي مقترحات تهدف الى ضبط السوق العقارية، وتفادي وصولها إلى مرحلة الفقاعة الجوفاء، وتجنّب ما حدث في مناطق أخرى من العالم شهدت أسعار العقارات فيها هبوطاً مفاجئاً ومدوّياً بعد فترات من الارتفاعات المصطنعة غير المبررة التي تسبب بها التناقل المتكرر والبيوعات المضاربية للوحدات العقارية، مدفوعة كذلك بتساهل لافت للنظر في شروط التمويل العقاري للجمهور.
ولا شك في أن تلك التجارب تتطلب الاستفادة منها وأخذ العبرة لتفادي تكرار الأخطاء ذاتها، ولاسيما أن سوق العقار في الدولة أصبحت تتميز بدرجة جذب عالية، وباتت محط أنظار المستثمرين المحليين والعالميين، ويوجد بينهم الكثير من المضاربين الذين يرون في هذه المعطيات فرصة سانحة لتحصيل الأرباح السريعة الاستثنائية التي تضرّ بالسوق وسلامتها، عوضاً عن توظيف استثمارات بعيدة المدى تساعد على استقرار القطاع العقاري، وتسهم في عكس صورة واقعية ومنطقية لمستويات الأسعار ومعدلاتها.
وبالرغم من الاعتراضات التي بدرت من بعض الناس على هذه التوجهات التي ترمي الى تنظيم السوق، وضمان سيرها في الاتجاه الصحيح، وذلك تحت مبررات التعارض مع مبادئ السوق الحر، والإضرار بالجو الاستثماري العام، والتسبب في نفور المستثمرين، ينبغي الإشارة إلى جملة من "الاختلالات" المهمة التي بدأت آثارها تظهر في السوق العقارية، ونتيجة للظروف والمؤشرات الاقتصادية الكلية التي يتسم بها الاقتصاد الإماراتي في الوقت الحاضر، ويأتي في مقدمتها النقص الحاد في عدد الوحدات الإسكانية المتوافرة للإيجار أو التملك من قبل المشترين النهائيين الجادين، الذين يختلفون عن المضاربين الموجودين في السوق لآجال قصيرة يكونون خلالها مراكز عبر دفع مقدمات مالية قليلة، ويقومون بعد ذلك بالتخلص منها قبل حلول موعد أقساط أخرى، متسببين في رفع الأسعار الى مستويات مُبالَغ فيها لا تعكس القيم الحقيقية للعقارات، وتهدد بحدوث عواقب وخيمة، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم، وهو "تضخم إيجاري" في الجزء الأكبر منه، كما توضح الدراسات والتقارير المتخصصة، حفّزه ارتفاع أسعار العقارات التي يتم تمليكها، كما أشير، ما اقتضى بالمقابل فرض إجراءات علاجية استثنائية مقابلة للتعامل مع المشكلة ووضع الأمور في نصابها، حتى وإن بدا ذلك لبعضهم في الوهلة الأولى متعارضاً مع آليات السوق الحرة ومتطلباتها.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية