تعتمد الخصوبة، أو القدرة على الإنجاب، بين أفراد الجنس البشري على العديد من العوامل، بعضها بديهي ومنطقي، والبعض الآخر غريب وغير مفهوم. فمثلاً في مجموعة العوامل البديهية، نجد الغريزة، والتغذية، والتوازن الهرموني، والتوقيت، والسلوك الجنسي. أما في المجموعة الثانية، أو العوامل غير المفهومة بالكامل، فنجد الثقافة، والظروف الاقتصادية، ونمط الحياة، والعواطف والمشاعر. وهذا التعقيد في الظروف المواتية للخصوبة، يظهر في شكل أن واحداً من كل سبعة من الأزواج مصاب بالعقم، وهي النسبة التي تتساوى بين جميع المجتمعات والأعراق، بغض النظر عن الجنسية أو الديانة أو العنصر. وبحسبة بسيطة، نجد أن هذه النسبة تترجم في الواقع إلى الملايين من الأزواج حول العالم. وهو ما يعني أن الإصابة بالعقم هي في الحقيقة مشكلة طبية واسعة الانتشار، بقدر أكبر مما يعتقد الكثيرون. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تقدر الجمعية الأميركية للطب الإنجابي أن أكثر من ستة ملايين أميركي مصابون بشكل أو بآخر من أشكال العقم، وهو ما يعادل عشرة في المئة من جميع الرجال والنساء في سن الإنجاب. وفي بريطانيا، على رغم أن ثمانية من كل عشرة أزواج بريطانيين ينجحون في الحمل خلال السنة الأولى من الزواج، إلا أن اثنين من كل عشرة لا يتمتعون بنفس القدر من التوفيق. وللأسف لا تتوفر إحصائيات مماثلة في معظم دول العالم، وإن كان يمكننا الاعتماد على الإحصائيات الأميركية والبريطانية لتقدير أعداد من يعانون من العقم في بقية الدول. والغريب أن 15% من هؤلاء، يعجز الأطباء عن تحديد سبب العقم، الذي ربما يكون ناتجاً عن كون الطب الحديث لم يدرك بعد جميع جوانب الخصوبة والإنجاب، وبالتالي أسباب فقدانها والإصابة بالعقم. وهذه المجموعة بالتحديد، تلقى أصحابها هذا الأسبوع خبراً مهماً، وإن كان لا زال من غير الواضح ما إذا كان جيداً أم سيئاً. فحسب دراسة نشرت في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (British Medial Journal)، وشارك فيها عدد من المستشفيات والجامعات البريطانية، اكتشف العلماء أن أساليب العلاج التي تستخدم لعلاج حالات العقم غير معروفة السبب، ليست ذات فائدة تذكر. فمن خلال متابعة 580 امرأة مصابة بالعقم لمدة عامين على الأقل ولأسباب غير معروفة، ثم تقسيمهن إلى مجموعتين؛ الأولى اعتمدت على الأسلوب الطبيعي من خلال تكرار المحاولة لتحقيق الحمل؛ بينما اعتمدت المجموعة الثانية على عقار الكلوميد (Clomid)، أو على التلقيح أو الإمناء الاصطناعي (Artificial Insemination) الذي يتم فيه وضع السائل المنوي في داخل رحم الزوجة لتسهيل تلقيح البويضة. وكانت المفاجأة أن المجموعتين، التي اعتمدت على الأسلوب الطبيعي، وتلك التي اعتمدت على الأساليب الطبية، قد حققتا في النهاية نفس معدل النجاح في الحمل. ففي المجموعة الأولى، حملت 17% من النساء في غضون ستة أشهر، بينما في المجموعة الثانية حملت 14% من النساء اللواتي اعتمدن على العقاقير، و23% من اللواتي اعتمدن على الإمناء الاصطناعي في غضون نفس الفترة الزمنية، وهي فروقات ليست ذات قيمة فعلية. ولذا، إذا ما نظرنا إلى هذه النتيجة بشكل سلبي، فسنجد أن الأساليب الطبية الشائعة حالياً لعلاج حالات العقم غير معروفة السبب، هي تدخلات عديمة الجدوى، وربما تكون ذات ضرر أحياناً. فعقار الكلوميد، الذي يحفز المبيضين، كثيراً ما ينتج عن حمل بتوأمين، أو ثلاثة، وهو حمل خطر على الأم والأجنة من المنظور الطبي. هذا بالإضافة إلى أن هذه التدخلات تكلف الكثير من المال والجهد، ناهيك عن المضاعفات الجانبية لعقار الكلوميد، مثل المغص، والانتفاخ، والغثيان، والصداع، ونوبات الاحمرار والتورد. ولكن إذا ما نظرنا إلى نفس النتيجة بشكل إيجابي، فسنجد أنها تمنح أملاً لمن يعتمدون على الأسلوب الطبيعي في إمكانية حدوث حمل، ودون التكلفة المالية التي قد لا يطيقها الكثيرون، أو المضاعفات الجانبية التي تزعج الجميع. ويبقى السؤال، لماذا في ظل غياب أدلة علمية واضحة، أو نتائج أكيدة، ظلت هذه الممارسات غير المجدية لعلاج العقم غير معروف السبب، سائدة بين جميع أطباء العالم دون استثناء. إجابة هذا السؤال تقع في شقين؛ الأول هو الضغط الذي يتعرض له الأطباء من قبل المرضى الذين يرغبون في الحصول على ذرية تقر بها قلوبهم وأعينهم، ويرفضون قبول الاعتماد على الأسلوب الطبيعي فقط. والشق الثاني، يتمثل فيما أصبح يعرف بالطب المبني على الأدلة (Evidence Based Medicine). فما لا يدركه الكثيرون، أن عدداً لا يستهان به من الممارسات الطبية الشائعة، لا يوجد ما يدعم فعاليته وكفاءته، سواء من الدراسات العلمية أو النتائج الفعلية. ويبذل أفراد المجتمع الطبي حالياً جهوداً حثيثة لتحديد هذه الممارسات، وإثبات أو نفي ما إذا كانت بالفعل ذات فائدة أم لا. وهو الهدف الذي سعى العلماء المسؤولون عن الدراسة السابقة الى تحقيقه، عندما شرعوا في تحليل كفاءة وفعالية الأساليب الطبية شائعة الاستخدام في علاج العقم غير معروف الأسباب. وفي ظل النتيجة التي توصلوا إليها، يظهر لنا سؤال أكثر تعقيداً: هل سيقبل الأزواج المصابون بالعقم غير معروف السبب، الاعتماد على تكرار المحاولة في ظل عجز الأطباء عن تقديم حلول سهلة ورخيصة لمشكلتهم الطبية، أم أنهم سيهرعون من البداية لأساليب أكثر تعقيداً وتكلفة، مثل التلقيح الخارجي أو أطفال الأنابيب؟ د. أكمل عبد الحكيم