أمن أميركا وإصلاح الشرق الأوسط
"كينيث بولاك"، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية والخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد "بركينجز"، أصدر كتاباً جديداً يعرض فيه التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
الكتاب عنوانه "طريق الخروج من الصحراء: استراتيجية أميركية كبرى في الشرق الأوسط"، يمثل رأياً لأحد ساسة "الحزب الديمقراطي"، يميل إلى بعض مبادئ السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش، بعدما كان أحد أشد منتقديها. يبدأ المؤلف باستعراض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، مخصصاً مساحة كبيرة للحديث عن النفط وضرورة تأمين وصوله إلى الدول المستهلكة في الغرب لضمان النمو الاقتصادي، كما يتطرق فيها لقضايا أساسية مرتبطة بإسرائيل والسلام مع الفلسطينيين، فضلاً عن حلفاء أميركا ومسألة الانتشار النووي.
وبالطبع لا يخرج الكاتب عن المواقف التقليدية للسياسة الخارجية الأميركية، حيث يسترسل في الكلام عن أمن إسرائيل وارتباطه بأمن الولايات المتحدة والتزامها غير القابل للنقاش تجاه أمن الأولى. لكنه ينتقد إدارة الرئيس بوش وسياساتها في المنطقة دون أن يعني ذلك افتراقاً عن مبادئها الأساسية. فالمفارقة العجيبة التي تتبدى خلال الكتاب هي أن المؤلف لا ينتقد إدارة بوش إلا لينتهي به المطاف مؤيداً لسياستها ومدافعاً عنها، لأن المشكلة حسب الكاتب لا تكمن في السياسات ذاتها التي تربط بين أمن الولايات المتحدة وضمان مصالحها في الشرق الأوسط وبين نشر الديمقراطية في الدول العربية، بل في الطريق الفاشلة التي نفذت بها، ليتحول الكاتب تدريجياً، ودون أن يشعر، من مثقف نيوليبرالي إلى مجرد نسخة أخرى للمحافظين الجدد. وفي هذا الإطار يقول "بولاك" نفسه: "لا نستطيع التخلي عن مبدأ نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط فقط لأن إدارة بوش التزمت به خطابة فقط، ورغم أن بوش قال إنها أفضل الموجود، فهي فعلاً أفضل ما هو كائن".
الكاتب أيضاً يوافق إدارة بوش في الحرب على العراق، حيث كان أحد أشد المساندين لها، وإن عارض الطريقة التي جرت بها والأسلوب الذي سارت عليه الأمور بعد سقوط بغداد. ولنفي شبهة انتمائه للمحافظين الجدد، استخدم "بولاك" جميع المفردات المنتقدة للحرب: مستنقع، ورطة، كارثة... إلخ.
وباختصار لا يرى الكاتب ضيراً في سياسة بوش المبدئية التي رامت نشر الديمقراطية في العراق عبر تغيير النظام وإسقاطه، بل يعترض فقط على الأسلوب الفاشل لهذه الإدارة وعجزها عن قراءة الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة. فمازال الكاتب على رأيه القديم في أن الولايات المتحدة كانت على حق في سعيها إلى تحرير العراقيين من نظام صدام، لكن فقط بعد تهيئة الأرضية مسبقاً عبر القضاء على الإرهاب، وتحديث اقتصاد المنطقة، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ثم اجتثاث الفقر... وهي الأمور التي لن تحدث قريباً.
ومع أن الكتاب سطر قبل أن تظهر آثار خطة الرفع من القوات الأميركية في العراق، والتي أقرها بوش، وقبل أن يغير الديمقراطيون مواقفهم المعارضة للحرب، فإنه لا يخفي معارضته لسياسة الخروج المبكر، أو "الهرب" كما يقول صراحة. فهو يرى أنه بتحرير أفغانستان والعراق وإخراج سوريا من لبنان، وإخضاع النظام الليبي ودفعه للتخلي عن برنامجه النووي... بدأ بالفعل نظام جديد يظهر في المنطقة. ويعبر "بولاك" عن رأيه ذاك بقوله: "إننا لا نستطيع التخلي عن النظام الذي أقمناه في الشرق الأوسط لأنه ساعد العديد من الأشخاص، كما لا نستطيع ذلك خوفاً من انهيار النظام وما سيترتب عليه من تهديد لنمونا الاقتصادي، بل حتى أمننا المادي".
وفيما يتعلق بالإسلام السياسي، يرى "بولاك" أنه "لا يمثل بالضرورة خطراً على الولايات المتحدة"، بل إنه "ليس مسؤولاً عن ظهور الحركات الإسلامية، وليس السبب وراء خطر الإرهاب الذي تواجهه أميركا"، بحيث يعتقد أن العوامل السوسيواقتصادية هي التي تفسر تفشي الفكر الراديكالي في الشرق الأوسط من خلال التشدد الديني وتبني العنف كوسيلة للتغيير. فالأوضاع الاقتصادية المتردية في أغلب الدول العربية، وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين، فضلاً عن ضعف النظم التعليمية وعجزها عن تأهيل القطاعات الشابة في المجتمع للتنافس عالمياً... عوامل كافية في رأي الكاتب لتحريض التطرف وتشجيع الإرهاب.
وفيما يبقي الكاتب على جو من التشويق قبل الكشف عن الاستراتيجية الكبرى لأميركا في الشرق الأوسط، كما جاء في العنوان، تأتي النتيجة دون مستوى التوقعات. فعدا تكراره للمقولات ذاتها لإدارة بوش والتصورات نفسها حول التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط، والتي ثبت فشلها، لا يقترح الكاتب سوى عدد محدود من الخطوات الملموسة لتغيير الوضع في المنطقة. ومن تلك الاقتراحات "رفع المعونات المالية لتصل الى 10 مليارات دولار سنوياً لكل من مصر والأردن والمغرب وتونس والسودان والبحرين"، فضلاً عن الاقتراحات الكلاسيكية الأخرى مثل فتح الأسواق، وتبني الحكم الرشيد، والتعددية، وإجراء انتخابات حرة. وإذا كان بيت الداء، حسب الكاتب، يكمن في الاقتصاد، فإن ما يعجز "بولاك" عن إدراكه هو أن إصلاح الاقتصاد وحده لا يكفي، في ظل غياب الانفتاح والمشاركة السياسية!
زهير الكساب
الكتاب: طريق الخروج من الصحراء: استراتيجية أميركية كبرى في الشرق الأوسط
المؤلف: كينيث بولاك
الناشر: راندوم هاوس
تاريخ النشر: 2008