عانت أفريقيا من آثار الاستعمار مثلما عانى العالم العربي، ففي المؤتمر الذي عقد في برلين عام 1885 أعادت القوى الأوروبية رسم خريطة أفريقيا، وعملت على تقسيمها والسيطرة على ثرواتها وجعل دولها تعاني من التخلف والفقر. وإذا كان النفط والثروات الطبيعية هي محور الصراع الغربي الحاصل اليوم في إقليم دارفور السوداني، فإن المشهد الاستعماري يتكرر مرة أخرى في أفريقيا، خاصة بعد أن أدركت أميركا أنه مع نهاية العقد الحالي ستصبح أفريقيا مصدراً هاماً للطاقة الأحفورية، مثلها مثل الشرق الأوسط، واعتبرت ذلك أولوية للأمن القومي الأميركي، حيث أشار تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية أنه في عام 2010 سوف تستورد أوروبا وأميركا النفط من أفريقيا بما يعادل تقريباً استيرادها من الشرق الأوسط. وهو ما أشارت إليه العديد من المجاميع الاستشارية الأميركية. وبذلك فإن الغرب يعتبر أفريقيا، بما تملكه من ثروات نفطية هائلة، بمثابة مكافئ للخليج العربي، أي خزاناً من النفط! وقد تحركت القوى الغربية نحو أفريقيا، وأعادت وسائل الاستعمار القديمة وكثفت من حضورها العسكري والسياسي هناك، وتجاوزت في طريقها للهيمنة على الموارد الطبيعية القضايا الإنسانية، فمثلاً كلفت الحرب الأهلية في الكونغو 4 ملايين قتيل على مدى السنوات العشر الماضية، والسبب هو النزاع الذي غذته الشركات الغربية في سعيها إلى الحصول على إمدادات "الكولتان"، وهو معدن خاص يلزم لصنع الهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة... ويوجد 80% من احتياطيه في الكونغو. ونجد هذه الحالة أيضاً في موضوع العراق، عندما خضع لعقوبات دولية، حيث مات مئات الآلاف من الناس، وخاصة الأطفال، إضافة الى ضحايا الغزو الأميركي عام 2003، والذين ترى بعض التقديرات أنهم يصلون قرابة المليون. أكثر ما يميز هذا التوجه الاستعماري الذي أصبح يشمل أفريقيا والعالم العربي، أنه يستخدم سياسة "العصا والجزرة"، فمن يريد أن يركب الموجة ويسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية والاستفادة من ثروات وطنه وعدم تركها للنهب الاستعماري، يبدأ ضده تحريك هذه الاستراتيجية بتعبئة كل وسائل الإغراء لإبعاده عن هذا الطريق، وإذا لم تنجح هذه الوسائل في تحقيق ذلك الهدف، تبدأ معه استراتيجية قلب العملية السياسية، ويجد البلد غير المتعاون نفسه في دوامة التوتر السياسي، وتصبح المعارضة السياسية أقوى وأعلى صوتاً، ويزداد التوتر السياسي، وإذا أصر ذلك البلد على الاستمرار في هذا الطريق تأخذ الاستراتيجية شكلاً أخطر وأقوى، أي طريق الاغتيال أو الانقلاب العسكري أو إشعال حرب أهلية... وهذا ما نراه متحققاً في العديد من الدول في أفريقيا والعالم العربي وأميركا اللاتينية، ومثاله ما حدث في فنزويلا عندما تم انتخاب هوجو شافيز، حيث وفرت الحكومة الأميركية عام 2002، عن طريق مؤسستها "وقف الديمقراطية"، هبات مالية كبيرة لعدد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية ووسائط الإعلام ونقابات العمال... من أجل تمويل حملة صاخبة ضد الرئيس شافيز. وخلال أشهر انتهت هذه الحملة إلى انقلاب غير موفق. ثم بعد ذلك قدمت مؤسسة أخرى أموالاً كبيرة لصالح "تجمع التربية" الذي يديره "ليوناردو كارفاجال" الذي كان مرشحاً لمركز السلطة بدل الرئيس شافيز الذي ضرب مصالح الاستعمار الغربي في فنزويلا.