سماء الـ"دبليو.تي.أو" انفطرت
وصف أحد المسؤولين في منظمة التجارة العالمية فشل أو انهيار المفاوضات الخاصة للوصول إلى اتفاق ما حول سياسات الدعم الزراعي التي تنتهجها الدول المتقدمة، بانفطار في قلبه وصدمة في نفسه وربكة في فكره وهلع على مستقبل العالم وحرية الاقتصاد بين شعوبه.
قد يعتقد البعض أن هذا شعور رجل أو مسؤول رومانسي، وتعبير عن عواطف جياشة، وحرص على مصلحة الكبار ضد الصغار، وفي هذا الظن يقع المحظور الكبير.
لأن جلوس مندوبي أكثر من 150 دولة على طاولة واحدة خلال فترة السبع سنوات الماضية، لم يكن بالأمر الهيِّن في عصر يحرص المتقدمون في كل شيء على التكتل لجني المكاسب وتقليل الخسائر قدر الإمكان لدى الجماهير المتعطشة للتغيير، وإلا فإن حال الكثير من الدول الموصوفة بالنامية أو المتخلفة في إطار العالم الثالث سيشهد المزيد من التدهور فوق ما تعانيه على مدار الساعة.
وترك الحبل على غارب أميركا والصين ومن ثم الهند كسبب رئيسي لهذا الفشل، والاعتماد الآخر على الاتفاقيات الثنائية بين الدول كبديل عن الاتفاقيات الكبرى، أمر لن يؤثر في التغيير الاقتصادي المنشود واللائق بعصر التكتلات الضخمة. هذا إذا أردنا أن نتعامل مع الاقتصاد على أنه كائن حي بحاجة دائمة إلى التغذية الراجعة لتطوير آلياته، فالاتفاق الجماعي جزء مهم من تلك الآلية الحيوية.
تصور أن كل دولتين مساهمتين في هذا الاتفاق، قامتا بالانفراد الانعزالي لإجراءات التوصل إلى تفاهم ما حول الاقتصاد في بعده العالمي، لاشك أن إمكانية النجاح واردة لأنه واقع ومشاهد.
إلا أن ذلك سينشئ تكتلات ثنائية ترهق الدول بدل أن تساهم في لمّ شمل الجميع تحت مظلة اتفاقية شاملة حتى لو شابها بعض القصور أو السلبيات، لأن الكمال في هذا العمل الجماعي أمر غير وارد لطبيعة الاختلافات ذاتها، والاتحاد الأوروبي كمؤسسة جماعية خير شاهد على ما نقول وخاصة عندما تمردت اللبوة الإيرلندية على الأسد الأوروبي عندما رفضت "معاهدة لشبونة" وإيرلندا دولة صغيرة في هذا الاتحاد الذي يضم عمالقة أوروبا، ومع ذلك فإن الاتحاد ماضٍ في طريقه، ولم تقف تلك العقبة أمام الحراك العام للاتحاد في كل الاتجاهات.
إن الدول النامية التي أحست بأنها المتضررة من هذا الاتفاق لم تستطع طوال تلك السنوات من الاجتماعات التي بدأت في "الدوحة" وانفرط عقدها في "جنيف" تقديم البدائل المناسبة لمصلحتها، ولو كانت تملك ذاك القدر من قوة الاتفاق فيما بينها، لكان بإمكانها الخروج بإطار خاص يلبي احتياجاتها الفعلية دون الولوج إلى هذا الإطار العالمي الذي أحست من خلاله أنها يمكن أن تُبلع بسهولة ويُبخس حقها بين اللاعبين الكبار.
إن انفطار قلب اتفاقية التجارة العالمية في جنيف يعد تحدياً للنهوض من جديد من أجل تحويل النظرية الاقتصادية في الفشل ولو لمرات إلى نظرية من النجاح المتواصل لصالح الصعود من جديد.
فهناك دائماً من الشامتين الذين يحبون أن يروا المشاريع الضخمة في العالم تغرق في بحر من الفشل الذريع، حتى يثبتوا أنهم على حق وأن كلامهم هو "الصح" المطلق، وهذه الشريحة جزء من عملية الفشل في أي مشروع جامع للشتات سواء كان على المستوى الاقتصادي أو السياسي، وحتى نظرتهم لما هو قائم وناجح قاتمة فإنهم له بالمرصاد، حتى إذا ما وقع شيء من الخلل أو الخطأ الإجرائي في مسيرة النجاح كانت شهقة الفرح بذلك من نصيبهم، مع أن العالم الأكبر يمضي إلى مستقبله دون أن يبالي بهذه القلة الشامتة.