دخل الصراع السياسي في باكستان منعطفاً خطيراً مع بدء الائتلاف الحكومي إجراءات عزل الرئيس برويز مشرف، ويضم الائتلاف حزبي "الشعب" و"الرابطة الإسلامية" (جناح نواز شريف). وستكون إجراءات إقالة مشرف عبر إخضاعه لجلسات مساءلة في البرلمان، وليس معروفاً حتى الآن ما إذا كان الائتلاف يمتلك غالبية المقاعد في البرلمان إضافة إلى ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وثلثي أصوات البرلمانات الإقليمية الأربعة، وهو ما لا يتوفر حتى الآن للتحالف الحكومي. لماذا يريد الائتلاف الحكومي عزل الرئيس مشرف؟ هنالك اتهام له من حزب "الشعب" بأنه أضعف باكستان وساهم في تردي أوضاعها الاقتصادية، وأنه خلق أزمة بعزله القضاة عند فرض حالة الطوارئ نهاية العام الماضي، كما تم اتهامه بسوء الإدارة وانتهاك الدستور. نواز شريف، رئيس الوزراء السابق والشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي الحالي، ينوي الانتقام من الرئيس الذي خلعه في عام 1998 وسجنه قبل أن ينفيه خارج البلاد. يبقى السؤال: أين تكمن مصلحة باكستان واستقرارها؟ هل ببقاء الرئيس أم العودة إلى المجهول في حالة عزله؟ أين تكمن مصلحة دول الخليج العربية التي تحرص على الأمن والاستقرار في المنطقة؟ ليس من مصلحة باكستان والقوى السياسية فيها، والتي تشكل الائتلاف الحكومي، المضي قدماً في عزل الرئيس مشرف، خصوصاً وأنها لا تملك الأغلبية لإقصائه، ولا تريد في نفس الوقت أن تضطره لاستعمال صلاحياته في حل البرلمان، بل تطالبه بتقديم استقالته طوعياً لتفادي المشاكل في باكستان. ليس في مصلحة باكستان ازدياد حالة التوتر وتأجيج الشارع ضد الرئيس والمؤسسة العسكرية، فالمعارضة مختلفة فيما بينها، لكنها متوحدة في عدائها للرئيس، وذلك لاعتبارات شخصية في حالة نواز شريف، وحزبية لا تمت بصلة لمصلحة باكستان الوطنية واستقرارها في حالة حزب "الشعب". هنالك تساؤلات حول من يقف وراء خلط الأوراق في كشمير، حيث عاد التوتر مجدداً مع الهند، وحيث سعى الرئيس مشرف إلى إيجاد حل سلمي للمشكلة مع نيودلهي. وتساؤل آخر عن عودة التفجيرات الغامضة في الهند والتي تقوم بها جماعات أصولية متطرفة ربما تجد الدعم من بعض الأجهزة الاستخباراتية الباكستانية، بل إنه عند تفجير السفارة الهندية في كابول وجهت الدوائر الهندية تهمة الوقوف وراءه إلى باكستان وقوى التطرف فيها. الإشكالية التي تواجهها باكستان اليوم، على الصعيد السياسي، هي ما إذا كان يجب إعطاء الأولوية للأمن القومي في محاربة التطرف والإرهاب، أم للديمقراطية والحريات السياسية وتطوير المجتمع المدني! وبما أن مؤسسات المجتمع المدني في باكستان لا تزال ضعيفة ومتفرقة، والأحزاب السياسية لا تملك أجندة موحدة بل هي عاجزة عن الوصول إلى صيغة توافقية لحكم البلاد... فقد بقي الجيش المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان الأمن والاستقرار ووحدة باكستان. أين تكمن مصلحة دول الخليج العربية؟ من مصلحتنا وجود باكستان قوية وموحدة ومستقرة، لذلك ليس من مصلحة الحكومة الائتلافية عزل الرئيس مشرف الآن لأنها لا تملك الأغلبية، وفي حالة عجزها على الحصول على الأغلبية لعزل الرئيس، فإنها حتماً ستلجأ إلى الشارع بإثارة المظاهرات وخلق الفوضى وعدم الاستقرار. وفي حالة قيام الرئيس بحل البرلمان، فإن ذلك يتطلب موافقة المؤسسة العسكرية، وفي حالة وقوف الجيش مع الرئيس فإن باكستان ستشهد جواً سياسياً مشحوناً، لأن غليان الشارع واستمرار مظاهراته لتحقيق أهداف شعبوية غير واضحة، مثل دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة، سيؤدي إلى عزل باكستان واستمرار حالة عدم الاستقرار فيها. وأخيراً من مصلحة دول الخليج دعم الرئيس مشرف لأنه تعهد بمحاربة الإرهاب، وبإجراء إصلاحات اقتصادية لتحسين الوضع الاقتصادي والتنمية في باكستان.