يرتبط ما يحدث في "سوق الأسهم الإماراتية" إلى حد كبير بالمشهد الاقتصادي العام في الدولة، والذي يُعدّ من أبرز معالمه الراهنة زيادة "السيولة النقدية" إلى حدّ كبير، جرّاء عوامل عديدة يأتي على رأسها ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، ومن ثم زيادة الإيرادات النفطية، كما أن بعض التقارير السلبية التي تحدثت عن مؤشرات تراجع في القطاع العقاري جعلت فريقاً من المستثمرين يمسكون عن ضخّ مزيد من السيولة التي بحوزتهم في هذا القطاع، ما أوجد فائضاً لديهم، وهي سيولة لم تجد مجالات استثمارية تستوعبها، ما أحالها إلى أموال مجمّدة أو يعاد توظيفها في "أسواق الأسهم"، وفي حالات كثيرة على هيئة أموال ساخنة تبحث عن أرباح سريعة، بدلاً من أن تتمّ الاستفادة منها وفق خطط استثمار استراتيجية تؤدي إلى بناء مراكز طويلة الأجل، تسهم في زيادة استقرار الأسواق وتنشيط العجلة الاستثمارية والاقتصادية من خلال توفير وعاء تمويلي مناسب لخطط الشركات التوسّعية والتطويرية، التي يهمّها بالدرجة الأساس، الاطمئنان إلى مستقبل قيمة أسهمها، ومقدرتها على كسب ثقة المستثمرين والمموّلين على المدى البعيد، قبل الانخراط في خطط بعيدة المدى. ولا شك في أن إعلان "مصرف الإمارات المركزي" عن سحب سيولة فائضة بلغت قيمتها 13 مليار درهم، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عن طريق طرح شهادات الإيداع، يُعدّ دليلاً على أهمية التأثير الذي يتركه ارتفاع فائض السيولة في الاقتصاد الوطني، خاصة بعد أن وصلت معدلات هذا الفائض وفق بعض التقديرات إلى 100 مليار درهم، ما قد ينذر بزيادة معدلات الإقراض وضخّ السيولة في السوق إذا لم يتمّ استيعاب قسم كبير منها، وهي معطيات ستقود ولا شك إلى زيادة التضخّم ورفعه لمستويات أخرى قياسية جديدة. كما ينظر بعضهم إلى الارتفاع النسبي، الذي شهدته قيمة العملة الأميركية بعد فترة طويلة من التراجع، باعتباره ضمن العوامل التي أدّت إلى إطلاق "عملية جني أرباح" للاستفادة من التحسّن الذي طرأ على عملات المنطقة المرتبطة بالدولار، إذ إن نسبة ملحوظة من المستثمرين، ولاسيما الأجانب، عمدت إلى تصفية مراكزها وتسييل استثماراتها في "سوق الأسهم" لاستغلال هذا المستوى المرتفع لسعر صرف الدولار الأميركي، والذي يُعدّ الأعلى منذ ستة أشهر. إن هذا الوضع يحتّم ضرورة العمل على تحفيز الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية ذات القيمة المضافة، باعتبارها الوسيلة المثلى والطريقة الفضلى في استيعاب فوائض السيولة وتحويلها من أداة ضارة بالاقتصاد إلى وسيلة فاعلة لتنميته وتطويره، من خلال التوسّع في المشروعات الصناعية والإنتاجية ومشروعات البنية التحتية. وبهذا فإن الإيرادات النفطية التي تجنيها الدولة تصبح وفق هذا التصوّر موجّهة إلى الوجهة الصحيحة وموظفة بالطريقة الأنسب، كونها تصبّ في مصلحة تحقيق هدف آخر أيضاً، يُعدّ في مقدمة الأولويات التي تشتمل عليها الخطط التنموية، وهو "تنويع قاعدة الموارد الاقتصادية" للدولة، وتقليص الاعتماد على النفط كمورد يستأثر بالجزء الأكبر من إيرادات الموازنة العامة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية