يعرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الفقر بأنه المجاعة، والعري والافتقار إلى اللباس والغطاء الضروريين، وإلى الخدمات الصحية الأساسية، والتعليم الأساسي، والمسكن المناسب، والمياه الصالحة للشرب، والعمل المناسب، والخوف من المستقبل· كما يشمل مفهوم الفقر الافتقار إلى حرية الإرادة والتعبير عن الرأي، وتدني مستوى البنية التحتية أو عدم قدرة الفرد على الاستفادة منها، وعدم قدرة الفرد على المشاركة في الحياة والأنشطة الاجتماعية· فالفقر مفهوم واسع وذو أبعاد متعددة وتختلف باختلاف الزمان والمكان· فالفقر إذاً هو الوضع والظروف السيئة التي يمقتها الإنسان ويرغب في التخلص منها · ولقد وضعت هذه الوكالات المالية الدولية المتخصصة (أي البنك والصندوق) معايير أساسية لقياس الفقر، وذلك نظراً لكونها تهدف إلى مكافحة الفقر والتصدي له عالمياً· وبالتالي فإن وجود مثل تلك المعايير سوف يساعدها على تأدية وظائفها· فأهم تلك المعايير هو مستوى الدخل أو مستوى الاستهلاك، ولقد وضع معيار لذلك سمي خط الفقر · وخط الفقر هو مستوى الدخل اللازم لإشباع الحاجات الأساسية للإنسان·
ولقد تم اعتماد معيار خط الفقر (أي خط الدخل) من أجل سهولة المقارنة بين مختلف دول العالم· حيث تم اعتماد مستوى خط الدخل بدولار واحد في اليوم، ومعيار آخر بدولارين في اليوم، وذلك بالقوة الشرائية لأسعار 1993 (أي مع أخذ التضخم النقدي بالاعتبار)· وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن حوالى 1,2 مليار نسمة من سكان العالم يعيشون بمستوى استهلاك يومي يقل عن دولار واحد للفرد، وهم يشكلون حوالى 23% من سكان العالم النامي· وأن حوالى 2,8 مليار نسمة من سكان العالم (أي أكثر من 50% من سكان الدول النامية)، يعيشون بمستوى استهلاك يومي يقل عن دولارين للفرد الواحد· وفي الوقت ذاته تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي الدخل في العالم يبلغ أكثر من 31 تريليون دولار أميركي سنوياً· ويبلغ دخل الشخص العادي في بعض الدول أكثر من 40000 دولار سنوياً· لا شك أن هذه المفارقات الصعبة والمعقدة بين العالم الغني والعالم الفقير، تظهر لنا بجلاء أن القضية لا تكمن في قلة الموارد الاقتصادية بقدر ما هي قضية سوء توزيع لتلك الموارد على مستوى العالم· ومن هذا المنطلق فإن استراتيجية عمل كل من الصندوق والبنك خلال أكثر من نصف قرن من إنشائهما تركزت حول مكافحة الفقر عن طريق سياسة إعادة توزيع الموارد الاقتصادية حول العالم· حيث تحصل هاتان المؤسستان الدوليتان على مواردهما المالية من حصص الدول الأعضاء المساهمة فيهما والتي يصل عددها إلى 148 دولة· وفي عام 1999 بلغ رأسمال صندوق النقد الدولي (أي حصص الأعضاء فيه) 212 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (أي حوالى 290 مليار دولار أميركي)، وكانت حصص الدول المساهمة العشر الرئيسة فيه كالآتي: الولايات المتحدة الأميركية وهي أكبر المساهمين بنسبة 17,6%· تليها اليابان بنسبة 6,5%· ثم ألمانيا بنسبة 6,2%· ثم فرنسا وبريطانيا بنسبة 5,1% لكل منهما· ثم إيطاليا بنسبة ·3,36 ثم المملكة العربية السعودية بنسبة ·3,3 ثم كندا والصين بنسبة 3,02 لكل منهما· ثم روسيا بنسبة ·2,8 ومن التوزيع النسبي للحصص يتبين لنا الثقل الذي تمثله كل دولة في عملية صنع القرارات بشكل عام والقرارات الاستراتيجية بشكل خاص في صندوق النقد الدولي وذلك على رغم كون عملية صنع القرار تتم بشكل مؤسسي منظم· وكذلك هو واقع الحال في البنك الدولي حيث إن عملهما ووظائفهما تسير بشكل منسق ومنظم ومتكامل (أي أن كلاهما مكمل لدور الآخر)· والحقيقة أن مفهوم الفقر والتخلف قد يكون متفقاً عليه نسبياً بين كافة الدول الأعضاء في هذه المؤسسات المالية الدولية إلا أن طرق وبرامج العلاج التي تقترحها تلك المؤسسات وطريقة فرضها وتنفيذها هي التي قد تكون محل خلاف، وذلك حسب ظروف البلدان المتلقية للقروض والإعانات والمساعدات· وتتبع هذه الوكالات الدولية استراتيجيات طويلة المدى في مكافحة الفقر والتخلف، وذلك عن طريق سعيها لتحقيق أهدافها المعلنة بممارسة وظائفها المعلنة· فما هي تلك الأهداف والوظائف؟· يمكن تحديد أهداف صندوق النقد الدولي بالآتي:
(1) تحقيق التوسع والنمو المتوازن في التجارة العالمية·
(2) تحقيق الاستقرار النسبي في أسعار صرف العملات·
(3) تجنب التخفيض التنافسي المفتعل لقيم العملات (أي لأسعار الصرف)·
(4) إجراء تصحيح منظم للاختلالات الكبيرة في موازين المدفوعات، والتي تعجز آلية السوق عن تصحيحها لفترة طويلة من الزمن·
وتركز هذه الأهداف جميعها على التجارة الخارجية وميزان المدفوعات وأسعار الصرف، وذلك لكونها هي المرآة التي تعكس مستوى التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء، وتعكس صورة النظام النقدي والمصرفي العالمي ومن ثم النظام المالي والنظام الاقتصادي العالمي· ولا تخرج أهداف البنك الدولي عن هذا الإطار الذي يهدف إلى مكافحة الفقر إلا أن البنك الدولي يركز على القروض طويلة الأجل والتي قد تصل فترة سدادها إلى 40 سنة إضافة إلى 10 سنوات فترة س