لعب القطاع الخاص الخليجي دوراً كبيراً في تطور بعض القطاعات الاقتصادية في دول المجلس على مدى سنوات القرن الماضي، بل إنه شكل مركز الثقل الرئيسي في الاقتصادات الخليجية في فترة ما قبل النفط، وذلك بفضل نشاطاته المتعددة وارتباطه القوي بقطاعات مهمة كالتجارة والعقار والقطاع المالي في بلدان المنطقة. في ذلك الوقت كانت لرجال الأعمال والبيوت التجارية نشاطات اجتماعية ومساهمات في صياغة الأنظمة والقوانين التي تنظم الأنشطة الاقتصادية في بلدان الخليج، سواء من خلال غرف التجارة والصناعة أو بصورة فردية قبل تأسيس هذه الغرف. لذلك جاءت معظم هذه الأنظمة والقوانين الاقتصادية منسجمة مع طبيعة الأنشطة التجارية السائدة في ذلك الوقت، مما حول بعض المدن الخليجية إلى مراكز إقليمية مهمة للتبادل التجاري بين الشرق والغرب، حيث تمكنت هذه المدن من تطوير مكانتها التي اكتسبتها في تلك الفترة وأضافت إليها مكاسب جديدة مستمدة من التطورات التي طالت العلاقات الاقتصادية الدولية في مرحلة العولمة. غير أن اكتشاف النفط أخل بهذه المعادلة المهمة بعد تحول مركز الثقل الاقتصادي إلى القطاع النفطي الذي يملكه القطاع العام، والذي أزاح الأنشطة الأخرى، وبالأخص القطاع التجاري والمالي إلى مراتب أقل من تلك التي احتلتها في السابق. وبالتزامن مع هذا التطور تراجعت مساهمة القطاع الخاص في التأسيس للبنية التشريعية والقانونية لهذه البلدان، وحدث نوع من عدم التجانس بين طموحات القطاع الخاص الذي تضاعفت قدراته الاستثمارية بصورة مذهلة في السنوات الماضية، وبين دوره الاجتماعي والتشريعي. ومن هنا نرى تأكيد رجال الأعمال والبيوت التجارية في المناسبات العامة كالندوات والمؤتمرات على ضرورة زيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية، والعمل على فتح المزيد من الاستثمارات أمام أنشطته ليتمكن من المساهمة بفعالية أكبر في التنوع الاقتصادي الهادف إلى إيجاد اقتصادات خليجية أكثر تنوعاً وأقل اعتماداً على النفط. والحال أن البيانات المتوفرة تشير إلى أن القطاع الخاص الخليجي يملك أكثر من ألف مليار دولار في الخارج، وهذا مبلغ خيالي يمكن أن يحدث نقلة نوعية في الاقتصادات الخليجية إذا ما تم استثمار 20% فقط من هذا المبلغ في دول المنطقة. فكيف يمكن جذب جزء من هذه الاستثمارات لدول المجلس؟ هذه مسألة مهمة للغاية، وهناك الكثير من رجال الأعمال الخليجيين الذين هم على استعداد للتجاوب مع مثل هذا التوجه ولكن ضمن ضوابط وأسس تم اعتمادها في فترة ما قبل النفط، أي تلك التي تتيح للقطاع الخاص دوراً تشريعياً يتناسب ودوره التنموي، هذا إضافة إلى فتح المزيد من فرص الاستثمار أمامه، كالاستثمار في الصناعات البتروكيماوية، وربما مساهمةً مع القطاع العام. وربما يلزم التذكير بأن هذه الملاحظة تم التطرق إليها من قبل غرف التجارة والصناعة، وكذلك من قبل الهيئة الاستشارية لدول المجلس، التي أشارت إلى أهمية التناسق بين مساهمة القطاع الخاص في البنية التشريعية ودوره الاقتصادي المتنامي. وفي نفس الوقت، فإن هذه القضية تكتسب أهمية إضافية في ظل السوق الخليجية المشتركة، التي تتيح للقطاع الخاص إمكانيات كبيرة لتنسيق أنشطته وإقامة مشاريع لم تتوفر لها نفس فرص النجاح في السابق بسبب تفاوت الأنظمة والقوانين بين دول المجلس. لقد رحب القطاع الخاص بشدة بالسوق الخليجية المشتركة وتحمس لها، وذلك على رغم مشاركته الضعيفة في صياغة مكونات هذه السوق الواعدة، إلا أنه اصطدم بعراقيل تنفيذ بنود الاتفاقية، بسبب التزام الأجهزة المعنية بالأنظمة واللوائح القديمة، فانتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال لا زالت مقيدة وتعيق أنشطة القطاع الخاص الخليجي. وإذن فإن هناك مساحة رمادية بين الاتفاقيات الموقعة وبين الأنشطة الاقتصادية التي يقودها القطاع الخاص، التي تحاول العمل على سرعة الاستفادة من الفرص التي تتيحها السوق المشتركة الكبيرة نسبياً، والتي سيكون لها مردود إيجابي على الاقتصادات الخليجية مجتمعة. ومن هنا يمكن القول إن مسألة الانسجام بين المساهمة التشريعية للقطاع الخاص من خلال أجهزة مجلس التعاون، وبين أنشطته الاقتصادية سيكون لها دور مؤثر وفعال في تنشيط استثمارات القطاع الخاص، وبالتالي زيادة معدلات النمو وتوفير المزيد من فرص العمل في دول المجلس.