اعتذار 21 من المواطنين عن عدم العمل في وظائف التدريس، من إجمالي 530 معلماً ومعلمة ممن أعلنت وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات عن تعيينهم في وقت سابق، حسبما كشف عن ذلك مدير "إدارة الموارد البشرية" في الوزارة، جمال بن فارس، مؤخراً... يفتح ملف المواطنين في مهنة التدريس، وهو ملف على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة في الوقت نفسه، بالنظر إلى اتصاله المباشر بقضيتي الهوية والأمن القومي، وهما قضيتان وجوديتان في أيّ مجتمع من المجتمعات، فضلاً عن الأهمية الكبيرة والمحورية لمهنة التدريس نفسها. إن اعتذار 21 مواطناً ومواطنة عن العمل في مجال التدريس، رغم أن الرقم ربما يكون صغيراً في نظر بعضهم، يعني أن هناك عزوفاً من قبل المواطنين عن العمل في هذه المهنة، وأن حقل التدريس ليس حقلاً جاذباً للعنصر البشري المواطن أو مطلوباً من قبله. وفي الواقع فإن هذه ليست المرة الأولى التي يعبّر فيها مواطنون عن عزوفهم عن الانخراط في مهنة التدريس، ولعلّ الاستقالات التي شهدتها وزارة التربية والتعليم بعد الإعلان عن زيادة الـ70% في الرواتب كانت مثالاً مهماً في هذا السياق. وهذا ينطوي على دلالات خطيرة لأكثر من سبب: السبب الأول يتعلق بأهمية التعليم في تشكيل الهوية الوطنية، ودوره المحوري والرئيسي في زرع القيم، وتعميق معاني الولاء، وحب الوطن وغيرها، ولهذا فإنه من المهم اتساع قاعدة المواطنين في مهنة التدريس، وعدم تركها للعناصر غير المواطنة، لأن اتساع هذه القاعدة من شأنه أن يدعم الهوية، ويحقق أهداف الدولة وأهداف القيادة التي تجعل من مسألة الهوية أولوية قصوى، حتى إن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- قد جعل عام 2008 عاماً للهوية الوطنية، وهو ما فتح المجال لحوارات ونقاشات واسعة حول أساليب الحفاظ على هذه الهوية، وصيانتها من الأخطار التي تتهددها. السبب الثاني، هو أن التعليم يقع في جوهر مقتضيات وعناصر الأمن القومي لأي دولة، لأنه يتعلق بصناعة العقول والتوجهات وتربية النشء الذين يتولون المسؤوليات الكبرى في المستقبل، ولهذا فإنه من المهم- خاصة في المراحل التعليمية الأولى- التي يتم التعامل فيها مع صغار السنّ، أن يكون العنصر المواطن هو العنصر الأبرز في مهنة التدريس. السبب الثالث، هو أن المؤشرات تقول إن ثمة انخفاضاً كبيراً وواضحاً في عدد المعلمين المواطنين في المدارس الخاصة لأسباب مختلفة، وبالتالي فإن الأمل في المدارس الحكومية لتحقيق التوازن في هذه العملية. على ضوء ما سبق، فإن هناك ضرورة كبيرة لتشجيع المواطنين على العمل في مجال التدريس، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، والدفع بقوة في هذا الاتجاه، وذلك من خلال إجراءات تحفيزية خاصة فيما يتعلق بالرواتب وبيئة العمل، وغيرها من الحوافز الأخرى التي من شأنها أن تجعل مهنة التدريس من المهن الجاذبة والمطلوبة لدى المواطنين والمواطنات خلال الفترة المقبلة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.