على ضوء متغيرات وتطورات الساحة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وتبلور نظام دولي جديد، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما أعقبها من تطورات... تركز الاهتمام مجدداً على ظاهرة الإسلام السياسي وحركاته، بكافة أطيافها، وحظي باهتمام متزايد في تفاعلات السياسات المحلية والإقليمية والدولية. وفي كتابه "تطور علاقة حركات الإسلام السياسي بالبيئتين الإقليمية والدولية"، يهتم سامي الخزندار بدراسة هذه العلاقة وإبراز مراحل تطورها من خلال رؤية وبرامج وسياسات الحركات المذكورة. وهو يحصر نطاق دراسته في حركات الإسلام السياسي المعاصر، وتحديداً العربية السنية منها، متمثلة بحركة "الإخوان المسلمين" وصيغها الحزبية في العالم العربي، على اختلاف درجات ارتباطها بالحركة الأم. وحسب المؤلف، فإن هذه الحركات تعد فاعلاً عابراً للقوميات، بسبب امتداداتها واتصالاتها الخارجية، داخل الدول العربية وفي معظم القارات. لكن كيف ترى حركات الإسلام السياسي نفسها؟ خلاصة ما يوضحه المؤلف في هذا الخصوص أن تلك الحركات تعتبر ذاتها "حركات تغيير إصلاحي اجتماعي شامل على أساس الاعتماد على مرجعية الإسلام كمصدر للفكر والسياسات والسلوك والبرامج والغايات". لكن مع وجود تفاوت في فهم مقاصد الإسلام ووسائل تطبيقه، فقد تعددت هذه الحركات واختلفت إلى حد التناقض فيما بينها أحياناً. يذكر المؤلف عدداً من الخصائص الداخلية العامة لحركات الإسلام السياسي، وأفهمها الطبيعة "الجذرية" على صعيد المفاهيم ونظام الحياة، والمراوحة في علاقتها مع السلطة بين الصراع والتعايش والمشاركة، ودمجها بين العقائدي والبرجماتي، والتردد في أولوياتها بين القطري المحلي والإسلامي العالمي. في الموضوع الأساسي للكتاب، أي تطور العلاقة بين حركات الإسلام السياسي والمحيطين الإقليمي والدولي منذ الثلاثينيات وإلى اليوم، يتوقف المؤلف عند ثلاث مراحل أساسية: الأولى غياب الرؤية المنهجية للعلاقات الدولية (الثلاثينيات- السبعينيات)، والثانية الاتجاه نحو فقه العلاقات الإقليمية والدولية ومباشرة التعاطي معها (نهاية السبعينيات- بداية التسعينيات)، والثالثة الاتجاه نحو نظرية وإطار استراتيجي للعلاقات الدولية والحضور المشارك في البيئتين الإقليمية والدولية (بداية من مطلع التسعينيات وإلى وقتنا الحالي). وكما يلاحظ المؤلف، فإن دور حركات الإسلام السياسي خلال هذه المرحلة الأخيرة تمحور حول المحيط الإقليمي وليس الدولي، كما اتسع من دائرة العمل الشعبي الداخلي إلى دائرة العمل والمشاركة رسمياً أو حكومياً. ولاستخلاص المغزى الأساسي في هذا الصدد، يهتم المؤلف بنموذج حركة "حماس" كجزء من الإسلام السياسي، ملاحظاً أنها سبقت معظم مثيلاتها من الحركات الأخرى في مجال العلاقات الإقليمية والدولية، من حيث العمل والمشاركة في هذين المحيطين، بغض النظر عن إيجابيات وسلبيات "سبقها". فقد أظهرت "حماس" فهماً أكثر تعقيداً لمعادلة العلاقات الدولية، وفتحت قنوات اتصال دولية مع العديد من العواصم الغربية، وذلك لشرح أهدافها وسياساتها ومحاولة التأثير على مواقف كبار الفاعلين الدوليين. وحتى قبيل دخولها السلطة عام 2006، استطاعت "حماس" أن تحقق "قفزة نوعية في مجال العمل السياسي الدولي، من حيث الاتصالات والحضور والمشاركة". أما بعد دخولها السلطة، فواصلت اتصالاتها مع بعض الأوروبيين بشكل غير علني، رغم الحصار والحظر، كما عكست مبادرة موسكو باستقبال قادة الحركة على مستوى وزير الخارجية الروسي، اهتمام الطرفين بتعزيز هذه الاتصالات. وعن التأثير الذي أحدثته تفجيرات 11 سبتمبر على حركات الإسلام السياسي، يقول المؤلف إنه رغم اختلاف هذه الحركات عن ظاهرة "ابن لادن"، من حيث اللجوء الى العنف المسلح ضد الأنظمة الحاكمة كوسيلة للتغيير، فإن تلك الأحداث خلقت توتراً كبيراً بين حركات الإسلام السياسي والقوى الغربية، وعززت الفجوة أو العداء السياسي (وربما الحضاري) بين الجانبين، مما دفع الحركات المذكورة إلى التفكير برؤية استراتيجية جديدة إزاء التفاعلات الدولية. وحول موقف حركات الإسلام السياسي من النظام الدولي الجديد، يلاحظ المؤلف أن الخطاب السياسي لهذه الحركات، بعد انتهاء الحرب الباردة، وكذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، أصبح مليئاً بالمصطلحات الدولية المعاصرة؛ مثل الشرعية الدولية، والمنظمات الإقليمية والدولية، والأمم المتحدة، والإرهاب الدولي، ومجلس الأمن، والنظام العالمي، والتعاون الدولي، والقانون الدولي، وصراع الحضارات، والتعاون الإنساني، والسلم العالمي، والعولمة، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.. إلخ، مما يعكس شكلاً من أشكال تفاعلها مع البيئة الخارجية وسياسات المجتمع الدولي. ورغم ذلك التطور في رؤية حركات الإسلام السياسي ودورها إقليمياً ودولياً، فثمة ضعف واضح ومحدودية في فاعلية دورها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهنا يذكر المؤلف مجموعة من المعوقات والتحديات التي أدت إلى ذلك؛ بعضها ذاتي مثل: محدودية الممارسة والخبرة، وضعف الخطاب السياسي الإسلامي وغربته إزاء البيئة الدولية، ومحدودية الأدوات اللازمة للعمل الدولي لدى هذه الحركات. أما المعوقات الموضوعية، فمنها: الإرث التاريخي الثقافي متمثلاً في العداء الغربي لظاهرة الإسلام السياسي، وقوة المؤسسات التي يملكها خصومه، والدعم الدولي لمعظم أنظمة الحكم العربية مقابل حركات الإسلام الاحتجاجي بكافة أشكالها. وهكذا يغلب على مواقف حركات الإسلام السياسي إزاء البيئة الدولية ومتغيراتها، طابع رد الفعل وافتقاد المبادرة، كما أن هذه الحركات وخلال معظم مسيرتها التاريخية، افتقرت إلى المنظومة الفكرية السياسية اللازمة للتعاطي مع العلاقات الدولية. لذلك بقي "حضور" هذه الحركات وتأثيرها ضعيفين في مجريات السياسة الدولية وفي السياسة الخارجية لدول المنطقة خاصة، بل في حالة اغتراب لم تقلل منها مراوحتها المتذبذبة بين "العقائدي" والبراجماتي في أحيان كثيرة! محمد ولد المنى الكتاب: تطور علاقة حركات الإسلام السياسي بالبيئتين الإقليمية والدولية المؤلف: سامي الخزندار الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2008