المعلم أولاً
ها هو العام الدراسي يطل علينا برايات العلم والتعلم، وها هم أبناؤنا التلاميذ يتجهون إلى مدارسهم بعد إجازة نجح فيها من نجح ورسب فيها كثيرون؛ لأنهم لم يدركوا بعد أهمية الإجازة في الحياة.
ومع كل هؤلاء، تأتي مشاريع التطوير التربوي، التي تجتهد فيها سنوياً وزارة التربية والتعليم، فلهم مني خالص التقدير على كل عمل مخلص ومثمر يقومون به.
ومع التغيير والتطوير، يأتي سؤال تربوي مطروح في العالم كله، يتمحور حول مركز هذا التطوير، ومن أين يبدأ؟ لاشك أن جوانب العملية التربوية كلها مهمة، فالمناهج التعليمية محور جيد للتطوير التربوي والأبنية المدرسية المجهزة بالفصول والملاعب والمختبرات أمر في غاية الأهمية، والنظم واللوائح الإدارية والتشريعات بحاجة إلى تطوير مستمر وجاد، فعناصر العملية التربوية كلها تمثل منظومة التطوير التربوي المنشود، ونطلق عليها كتربويين كلمة منظومة؛ لأن تداخل عناصرها وترابط جوانبها بعضها ببعض، يجعل من الصعب -بل من المستحيل- أن تتم عملية التطوير هذه بنجاح لو أهملنا أحد جوانب المنظومة التربوية. ومع هذا كله، فإن التقارير والدراسات التربوية العالمية، تؤكد بما لا يسمح بالشك، أن المعلم هو العنصر الأهم في المعادلة التربوية، لأسباب سنعالجها، ولكن قبل الأسباب، يطرح سؤال نفسه وهل غاب الموضوع عنا في الإمارات؟!
للأسف الشديد، فإن بعض من يخططون للتربية والتعليم ليس لهم هم أكبر من ميزانية يعصرونها عصراً كي يوفروا بعض الدراهم، هؤلاء ليست عندهم مشكلة أن يكون نصاب المعلم أكثر من عشرين حصة في فصول مزدحمة بأكثر من ثلاثين طالباً، كي ينجحوا في توفير بعض الدراهم، وربما كي لا نظلم أصحابنا يقولون في أنفسهم "مد رجلك على قدر لحافك"، بمعنى آخر بما أن الدولة أعطتنا هذه الميزانية، فعلينا العمل من خلالها، ولو كان هذا الفعل على حساب جودة المخرجات التربوية، فلم يعد أحد أهداف أصحابنا البحث عن مصادر مساندة للميزانية الاتحادية بقدر ما هو أن العملية التربوية ماضية، ولكن إلى أين؟ الجواب عن هذا السؤال غير مهم، بعد هذا كله نقول لم المعلم؟
التعليم عملية إنسانية ينمو فيها المتعلم بتدرج مدروس لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، وبما أنه عملية إنسانية، وجب علينا إيجاد الإنسان المعد للقيام بهذا الدور، وهو بلا شك عنصر نادر أقصد به هذا الإنسان المستعد للقيام بهذا الدور، فمن موقعي كأستاذ في كلية التربية درست آخر دفعة تخرجت في كلية التربية في جامعة الإمارات من الذكور قبل أربع سنوات، وبلغة أخرى، لا يوجد لدينا طلبة ذكور في كلية التربية بجامعة الإمارات، وفي كلية الإمارات للتطوير التربوي والتي أنشأها مشكوراً "مجلس أبوظبي للتعليم"، كمؤسسة عالمية متخصصة في إعداد المعلمين، لا يتجاوز عدد الطلبة الذكور فيها عشرين طالباً، بالرغم من كل الإغراءات التي رصدها المجلس، والسبب أن مهنة التعليم ليست كبقية المهن. بلغة أخرى، كلية التربية بجامعة الإمارات، لا يوجد بها طلبة من الذكور، وكلية الإمارات للتطوير التربوي العدد فيها لا يناسب حاجة الميدان، فنحن في الإمارات شئنا أم أبينا، سنبقى في حاجة ماسة إلى المعلمين من خارج الدولة والذين تختلف مستويات إعدادهم حسب جامعاتهم، وحتى لو كان هذا المعلم قد تخرج في أفضل الجامعات، فإن عدم إلمامه بخصوصية مجتمعنا تفرض علينا هذه المسألة إلزامية وجود برامج مستمرة للمعلمين كي تتحقق الأهداف التربوية المخطط لها.
ينبغي أن يكون المعلمون من الذكور والإناث هم محور التطوير التربوي المنشود في دولتنا إنْ أردنا أن تكون مدارسنا واحة مناسبة للتعليم، فالمعلم المناسب بإمكانه التخلص من الخلل في المنهاج، لكن المنهاج المطور لن ينفذ بمعلم تنقصه الخبرات المناسبة لتحقيق أهداف التعليم، فهل نلمس في هذا العام لفتة مناسبة من وزارة التربية والتعليم، والتي عودتنا الجديد في كل عام هذه اللفتة تعالج الخلل والضيق اللذين يعيشهما المعلم، واللذين يحولان بينه وبين قيامه بدوره.