نهايات التطرف... دروس في محاربة الإرهاب!
ما من جماعة إرهابية تملك القدرة على الاستمرار للأبد، إذ لا بد أن يأتي وقت يتم فيه القضاء على هذه الجماعة إن لم تختف تلقائياً... لكن كيف يتم ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يحاول "سيث. جيه جونز"، أستاذ العلوم السياسية والزميل بمؤسسة "راند"، الإجابة عليه في كتابه "كيف تنتهي الجماعات الإرهابية: دروس من أجل التصدي للقاعدة"، والذي نعرضه في المساحة التالية. في البداية يقدم الكاتب إجابة موجزة للسؤال منبهاً إلى أنها -على إيجازها- تتضمن معاني فائقة الأهمية بالنسبة للحرب ضد الإرهاب. يقول الكاتب إن الدراسة التي أجراها على الجماعات الإرهابية الناشطة بين عامي 1968 و2006، تفيد بأن تلك الجماعات قد انتهت، إما بسبب دخولها العملية السياسية، أو شل قيادتها على أيدي أجهزة الشرطة والاستخبارات، وأن الحالات التي كان فيها الجيش سبباً أساسياً للقضاء على تلك الجماعات كانت محدودة للغاية، وأن عدد الجماعات الإرهابية التي تمكنت من الصمود ومن ثم تحقيق النصر على الحكومة بأجهزتها، خلال الفترة الزمنية المذكورة، كان قليلاً للغاية، أما غالبيتها العظمى فقد تم القضاء عليها. ويرى الكاتب أن القضاء على تلك الجماعات، يحتاج للعديد من الوسائل، ومنها مثلاً العمل الشُرَطي والاستخباراتي الدقيق، والقوة العسكرية، والمفاوضات، والضغط الاقتصادي، وترتيب أولويات الجهود بما يتفق مع الموارد المتاحة، ومع قدرة الحكومة على تركيز الانتباه على موضوع واحد لفترة طويلة. ويقول الكاتب إنه أجرى دراسة حالات معمقة لـ648 جماعة إرهابية بين عامي 1968 و2006، فوجد أن انضمام تلك الجماعات للعملية السياسية غالباً ما كان السبب الرئيسي لإنهاء نشاطها الإرهابي (43% من الحالات)، وأن احتمال انتقال المجموعة الإرهابية من المنهج الدموي إلى المنهج السياسي، يرتبط ارتباطاً وثيقاً باتساع نطاق الأهداف الإرهابية أو ضيقها. فكلما ضاقت أهداف الجماعة الإرهابية، كلما زادت احتمالات نجاحها في تحقيق تلك الأهداف دون عنف، وبالتالي زادت احتمالات توصلها إلى اتفاق مع الحكومة من خلال التفاوض.
ويأتي استخدام أجهزة الشرطة في مواجهة الجماعات الإرهابية في المرتبة الثانية من قائمة الوسائل الأكثر فعالية ضد تلك الجماعات (40% من الحالات). ومن المعروف أن رجال الشرطة والاستخبارات يكونون أكثر قدرة على اختراق التنظيمات الإرهابية وتفكيكها من الداخل، مقارنة بمؤسسة الجيش. وترجع فعالية الشرطة والاستخبارات وامتلاكهما للمزايا السابقة، إلى تواجدهما بشكل دائم في المدن والبلدات والقرى، خلافاً للجيش الذي يعسكر في قواعد خارج المدن والمراكز الحضرية.
هناك حالات أخرى أقل أهمية، ففي 10% من الحالات انتهت الجماعات الإرهابية لأنها تمكنت من تحقيق أهدافها المتوخاة، كما كان الجيش سبباً في القضاء على الجماعات الإرهابية وإنهاء نشاطها في 7% من الحالات. وكانت قوات الجيش تحقق أبرز نتائجها عندما تعمل ضد جماعات إرهابية، منخرطة في أعمال تمرد، تتصف بأنها كبيرة الحجم، وواضحة في بنيتها التنظيمية. وقد ازدادت أهمية استخدام الجيش في مواجهة الجماعات الإرهابية بسبب التطور الكبير في صناعة الأسلحة، ودرجة فعاليتها، ودقتها بالإضافة إلى ما يتوافر لدى تلك القوات من قدرة على استخدام وسائل وأدوات الرصد الإلكتروني، وأسلحة وأدوات يمكن توجيهها من بعد.
وينبه الكاتب إلى نقطة مهمة، وهي أنه قد يحدث أحياناً أن يؤدي استخدام الأسلحة المتطورة ضد الجماعات الإرهابية إلى نتائج محدودة للغاية ولا تتفق مع درجة تطور تلك الأسلحة، كما حدث في حالة القوات الأميركية في العراق، والتي تستخدم أسلحة بالغة التطور ضد قوات التمرد، لكنها لم تنجح في تحقيق نتائج ذات بال لأن استخدام هذه الأسلحة ضد المتمردين ممن يحملون أسلحة بسيطة بل بدائية أحياناً، يجعل السكان المحليين يتعاطفون مع قوات التمرد والجماعات الإرهابية ذات الإمكانيات المحدودة.
ومن خلال الدراسة التي أجراها الكاتب، توصل أيضاً إلى مجموعة من النتائج المثيرة للاهتمام والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: إن الجماعات الإرهابية ذات الأجندة الدينية تحتاج إلى وقت أطول من الجماعات الإرهابية ذات الأجندات غير الدينية. الثانية: إن حجم القوة يلعب دوراً حاسما في تحديد المدة الزمنية المطلوبة للقضاء على تلك القوة، فالقوات التي يزيد عدد أفرادها عن 10 آلاف فرد مثلاً تحتاج إلى وقت أطول للقضاء عليها من القوات التي يقل عدد أفرادها عن 1000 شخص. الثالثة إنه ليست هناك رابطة إحصائية بين مدى استمرار الجماعة الإرهابية، والدافع الأيديولوجي والظروف الاقتصادية، ونمط النظام السياسي، واتساع أو ضيق نطاق أهداف الجماعة الإرهابية.
عندما تنخرط الجماعة الإرهابية في تمرد عام، فإن القضاء عليها يغدو أمراً أكثر صعوبة: ففي 50% من الحالات انتهت تلك الجماعات بعد أن قررت التفاوض مع الحكومة وبعد أن أدركت أن التمرد لا يحقق النتيجة المرجوة. وفي 25% من الحالات تمكنت تلك الجماعات من تحقيق النصر، وفي 19% من الحالات تمكنت قوات الحكومة العسكرية من هزيمتها.
والجماعات الإرهابية التي تمارس نشاطها في الدول الأكثر ثراءً، غالباً ما تكون منضوية تحت جناح التيارات اليسارية، أو الحركات القومية، أما احتمال أن يكون الدين هو المحرك الأساسي لها، فيقل كثيراً عن مثيله في الدول الأقل ثراءً أو الفقيرة، على ما يرى الكاتب.
سعيد كامل
الكتاب: كيف تنتهي الجماعات الإرهابية: دروس من أجل التصدي للقاعدة
المؤلف: سيث جيه. جونز
الناشر: راند كوربوريشين
تاريخ النشر: 2008