عندما أقدمت إحدى الشركات الأميركية المختصة في مجال الطاقة على إنفاق أكثر من 320 مليون دولار لبناء مائتي محطة هوائية في نيويورك، كانت تنطلق من فكرة بسيطة مفادها أن المشروع سيسدد كلفته من خلال إنتاج الكهرباء، ثم تسويقها لاحقاً. لكن قدرة خطوط نقل الكهرباء المفترض بها إيصال الطاقة إلى المنازل، لم تتمكن من تحمل الضغط الشديد عن شبكة الكهرباء، وهو ما أدى بالشركة في النهاية إلى إغلاق أبوابها لأسباب خارجة تماماً عن إرادتها. والواقع أن ما عانت منه الشركة ليس سوى مثال بسيط لمشكلة أميركية أكبر تتمثل في عجز شبكة الكهرباء الأميركية عن نقل الكهرباء وتحمل ضغط الشركات الجديدة. فرغم الأحلام الكبيرة التي تراود البعض للحد من استهلاك الوقود الأحفوري والتقليل من خطر التلوث البيئي، مثل الدعوات التي يطلقها "آل جور" وغيره، إلا أن التطلعات الطموحة تلك، تصطدم بواقع البنية التحتية العاجزة عن مواكبة التطلعات وغير القادرة على نقل الكهرباء بفعالية. واللافت أنه في الوقت الذي أصبح فيه إنتاج الطاقة النظيفة ممكناً ومتاحاً بفضل التطور التكنولوجي وظهور مصادر متجددة للطاقة، تبقى المشكلة الأساسية في نقلها إلى الناس وإيصالها إلى السوق. فحسب المختصين يرجع تاريخ إنشاء شبكة الكهرباء الحالية في الولايات المتحدة إلى قرن من الزمن، وهي تشبه في تقسيمها الأزقة والشوارع في مدينة شديدة الازدحام. وفي هذا السياق يقول "سويدين كيلي"، عضو اللجنة الفدرالية التنظيمية للطاقة، "إننا في حاجة إلى نظام يشبه الطرق السيارة لنقل الكهرباء وإيصال الطاقة إلى المنازل". ومع أن الطاقة التي تعتمد على الرياح مازالت في بدايتها، حيث لا تمثل سوى 1% من مجموع الاستهلاك الأميركي، إلا أن العديد من الخبراء يراهنون على رفع تلك النسبة لتصل الى 20% خلال السنوات المقبلة. وبالطبع يتطلب ذلك القدرة على نقل كميات كبيرة من الطاقة عبر مسافات بعيدة، خاصة من المناطق ذات الرياح القوية والكثافة السكانية الضعيفة، كتلك الموجودة في الوسط الأميركي، إلى المدن الكبرى في الساحلين الغربي والشرقي. لكن المشاكل المرتبطة بالشبكة الكهربائية تحول دون تحقيق مشروع الربط الكهربائي في الولايات المتحدة. "جابريال ألونسو"، المسؤول عن التطوير في إحدى شركات إنتاج الطاقة، يشدد على الفرق بين محطات الرياح في نيويورك وبين نظيرتها في الولايات المعروفة بالرياح، مؤكداً أن هذه الأخيرة تنتج 50% أكثر من الطاقة مقارنة مع تلك الموجودة في نيويورك، وهو ما يعيد مرة أخرى مشكلة نقل الكهرباء إلى الواجهة. وتكمن المشكلة الأساسية في أن خطوط نقل الكهرباء لا تستطيع التكيف مع الضغط العالي للكهرباء في حال إضافة مصادر أخرى، مثل محطات الرياح وغيرها، وبالتالي لا تستطيع إيصال كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية إلى البيوت والمصانع. ولعل الأخطر من ذلك أن المشكلة لا تقتصر على المسافات البعيدة التي تتطلب شبكة كهربائية ممتدة عبر الأراضي الأميركية الشاسعة، بل تمتد أيضاً إلى المسافات القصيرة التي لا تتعدى بضع مئات من الأميال. ورغم إدراك السياسيين الأميركيين لعمق المشكلة التي تعرقل تطور الطاقات البديلة، ومعرفتهم بمحدودية الشبكة الكهربائية، لم يبذل أي جهد للبحث عن حلول ملائمة. ويرجع السبب، حسب المراقبين، إلى امتناع السياسيين عن مساءلة صلاحيات الولايات التي تتحكم في الشبكة الكهربائية داخل ترابها وعدم اهتمامها بمدها إلى الولايات المجاورة. لكن رغم الصعوبات، هناك من يحاول إحداث اختراق حقيقي في نقل الطاقة مثل رجل الأعمال "بون بيكتز" الذي يسعى إلى بناء أكبر محطة للرياح في العالم، وذلك عبر استخدامه لحق المرور لمد خطٍ لنقل الكهرباء يمر عبر العديد من الولايات. ولتحقيق غرضه لم يتوانَ رجل الأعمال الأميركي في عقد جلسات استماع مع الكونجرس لإقناع المشرعين بوجاهة مشروعه وأهميته في مجال إنتاج الطاقة النظيفة. واللافت أنه رغم الصعوبات التي تواجهها شركات الطاقة مع شبكة الكهرباء، تشهد طاقة الرياح إقبالاً واسعاً من طرف المستثمرين الذين يودون خوض التجربة، حيث تتعدد الخطط والمشاريع الرامية إلى إقامة مزيد من محطات الرياح، ومن أصحاب المبادرات في هذا المجال عمدة نيويورك "مايكل بلومبيرج" الذي تعهد بتحويل المدينة إلى نموذج في الاعتماد على طاقة الرياح. لكن الخبراء يقللون من أهمية التصريحات الطموحة لبعض المستثمرين، مشددين على أنه بدون التوصل إلى حل لمشكلة الشبكة الكهربائية، فإن تلك المشاريع لن ترى النور. ولعل ما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة لشبكة الكهرباء الأميركية هو كثرة المتدخلين، حيث تتوزع مسافة 200 ألف ميل من الشبكة بين 500 مالك من بينهم شركات خاصة وهيئات حكومية تابعة للولايات، وهو ما يجعل من تطوير الشبكة مسألة شديدة التعقيد. وحتى عندما تدخلت وزارة الطاقة بموجب قانون عام 2005 الذي أعطاها حق تنظيم شبكة الكهرباء وتحسين ظروف نقلها، استاءت العديد من الولايات ورفعت شكوى إلى الكونجرس تتهم فيه الوزارة بتجاوز اختصاصاتها. ماثيو وولد كاتب أميركي متخصص في مجال الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"