ابتهجوا أيها "الديمقراطيون"؛ فبعد كل ذلك القلق الذي لازمكم طيلة تلك الأشهر من حدوث مصيبة ما خلال المؤتمر الوطني للحزب "الديمقراطي"، تستطيعون الارتياح الآن لأن الجميع في دِنيفر تصرف مثلما يتصرف أي بشر عادي. فهيلاري لم تركل أوباما، ولم تحاول اقتلاع عين ميشيل، ولم تحرِّض أنصارها على أعمال شغب. وبالتالي، فإنه يحق لكم الآن أن تتنفسوا الصعداء! في هذه الأثناء، ألقت ميشيل خطاباً مثيراً للعواطف، محبِطةً بذلك جهود الجناح اليميني الرامية إلى تقديمها كقومية سوداء ترتدي ثوباً أفريقياً فضفاضاً؛ ونهض تيدي كينيدي من سريره في المستشفى ليذكرنا جميعاً بعصر ذهبي غابر؛ بل حتى بيل كلينتون نفسه تصرف على نحو جيد، وغير مُشين. وبالتالي، فلماذا هذه الوجوه العبوسة المتجهمة أيها "الديمقراطيون"؟ ولكن، في النهاية، أين هو الخارق المنقذ؟! انتهى مؤتمر الحزب تقريباً؛ ولكن مازال يتعين على أوباما أن يغير الحياة السياسية الأميركية بشكل كامل، أو يأتي بمعجزات. والحال أن المؤتمِرين الذين يتحركون بكراس متحركة مازالوا متسمِّرين في كراسيهم المتحركة تلك؛ والاقتصاد مازال في حالة يرثى لها؛ والحرب في العراق مازالت قائمة؛ و"جو بايدن" العارف بشؤون واشنطن -كما يُحب أن يقال- اختير لخوض السباق عن منصب نائب الرئيس؛ وأوباما لم يعتذر حتى عن تصويته لـ"قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية". وبالتالي، فقد يسأل سائل: أين هو التغيير الموعود؟ مسكين أوباما! حين تتصرف هيلاري وميشيل وتيدي وبيل كأناس عاديين، يكون الجميع مسروراً. أما أوباما، فليس مسموحاً له أبداً بأن يكون رجلاً عادياً حيث يُفترض أن يكون مزيجاً بين جون كينيدي جديد ومارتن لوثر كينج جديد -شخص يستطيع تغيير الحياة السياسية كما عهدناها، وطرح الانقسامات العرقية والطبقية والحزبية جانباً، وقيادتنا إلى مستقبل مفعم بالأمل و... التغيير. باختصار، يفترض أن يكون شخصاً خارقاً وفوق العادة. والواقع أن أنصار كلينتون لم يصدقوا يوماً شيئا من قبيل "أوباما المنقذ"؛ بل إنه حتى بين أنصار أوباما نفسه، فإن الأشهر الأخيرة شهدت أسئلة مكتومة ومتزايدة في الوقت نفسه: الخطابات المؤثرة شيء رائع، ولكن كيف ينوي أوباما بالضبط مساعدة الأميركيين من الطبقة المتوسطة على مواجهة أزمة القروض؟ وهل كان المنقذ ليصوت لمنح شركات الاتصالات الحصانة من عمليات التنصت الداخلي غير القانونية نيابة عن وكالات التجسس الأميركية؟ وألم يكن بمقدور أوباما أن يأتي بشخص أكثر إثارة من بايدن -أمٌّ لاتينية عازبة من ولاية ميسيسيبي مثلاً، أو جندي مصاب عائد من حرب العراق؟ على "الديمقراطيين" أن يكفوا عن انتقاد أوباما ويرحموه لأنه ليس الخارق المنقذ فعلاً -فمثلما أشارت إلى ذلك زوجته على نحو مقتضب ودال، فهو إنسان عادي، وشخص لا يقوم دائماً بالتقاط جواربه من الأرض. غير أنه في الوقت نفسه ليس "عادياً" بالكامل لأن أوباما ليس مثالاً للأميركي العادي -ثم بالله عليكم، من يريد رئيساً "عادياً"؟- فخلفيته متعددة الأعراق مذهلةٌ، وهو ذكي وتقدمي، ويتمتع بمخيلة خصبة وشخصية جذابة، ويستطيع أن يلقي خطاباً يجعلك تبكي. ولكنه في الوقت نفسه كغيره من السياسيين، يستغل الفرص، ويعرف كيف يقوم بالمساومة والتنازلات والمناورات السياسية، وأحياناً يرتكب أخطاء غبية أيضاً. وفي المحصلة فإن أوباما ليس هو الخارق المخلِّص. تجاوزوا ذلك الوهم أيها "الديمقراطيون"! تجاوزوه للسبب الواضح والبراجماتي التالي: فإذا كنتم تريدون "ديمقراطياً" في البيت الأبيض، فعليكم أن تكفوا عن القلق بشأن افتقار مرشحكم إلى قوى سحرية، واكتفوا بالجد في العمل حتى يتم انتخابه؛ ذلك أن هذه الانتخابات، ومثلما ذكَّرت بذلك هيلاري كلينتون "الديمقراطيين" ليلة الثلاثاء الماضية، تتعلق بأكثر من مرشح معين: فهي تتعلق بـ"الأم التي تصارع مرض السرطان وتتولى رعاية أطفالها... وذاك الطفل ووالدته اللذين يعيشان بالحد الأدنى من الأجور... وكل الأشخاص في هذه البلاد الذين يشعرون بأنهم غير مرئيين". إنها لا تتعلق بهيلاري ولا بأوباما. على أن ثمة سبباً آخر أيضاً: على "الديمقراطيين"، من بين جميع الناس، أن يتذكروا أن التغيير السياسي يأتي في المقام الأول من الحركات الاجتماعية، وليس من أفراد خارقين أو فوق العادة. فلا لوثر كينج ولا ليندون جونسون جلب الحقوق المدنية للسود على نحو سحري. صحيح أن الخطابات المؤثرة والتشريعات الضامنة للحقوق المدنية كانت مهمة، غير أن تلك الخطابات ما كانت لتُحدث فرقاً كبيراً، وما كانت تلك التشريعات لتكون ممكنة لولا آلاف الأشخاص، بيضاً وسوداً، الذين تحركوا ونظموا أنفسهم ووقعوا العرائض وانضموا إلى المظاهرات الاحتجاجية (على رغم الخطر الذي كان محدقاً أحياناً بلقمة عيشهم وحياتهم). هل تريد زعيماً سياسياً ينشد التغيير؟ الواقع أنك قد تجده في أوباما، ولكن لا تتوقع منه أن يقوم بهذا التغيير بمفرده. فأوباما رجل جيد، غير أنه لا يوجد شخص يتصف بالكمال. وبالتالي، فلكي ينجح في الإشراف على تغيير حقيقي -اقتصادي أو اجتماعي أو في السياسة الخارجية، وبغض النظر عما قد تعنيه كلمة "التغيير" بالنسبة لك- فإنه يحتاج إلى حركات سياسية واجتماعية قوية وداعمة يستطيع الاتكال عليها. وعليه، فإذا كان "الديمقراطيون" يريدون "تغييراً" حقيقياً، فعليهم أن ينهضوا وينظموا أنفسهم ويمنحوا أوباما دعماً قوياً، ويتوقفوا عن التأفف حين يرتكب أخطاء. كما عليهم أن يكفوا عن التذمر والجأر بالشكوى من أن خطاباته لوحدها لا تغير المشهد السياسي، لأن تلك هي مهمتهم الحقيقية! روزا بروكس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"