معظم الجامعات الخليجية لا تضم بين أقسامها قسماً للعلوم السياسية· كذلك الأمر مع الجامعات الخاصة التي تنتشر كالفطر في أرجاء العالم العربي تخلو بدورها من هذا القسم، علماً بأنه لا توجد جامعة أجنبية عامة إلا ويوجد فيها قسم للعلوم السياسية· لماذا؟ لا نختلف مع من يرى أن سوق العمل لا يحتاج العلوم السياسية، ومن ثم تجد الدولة نفسها ملزمة بتوفير فرص العمل لخريجي هذا القسم، وخاصة أن خرّيج هذا القسم في العالم العربي لا يمتلك ناصية اللغة ولا فن استخدام الحاسوب الكمبيوتر · ومن ثم فهو عالة على الدولة والمجتمع لأن العلم الذي اكتسبه من قسم العلوم السياسية لا يفيده، بل ولا يفيد المجتمع في شيء! لكن ألا ينطبق هذا الأمر على خريجي الدراسات الإنسانية والاجتماعية مثل الآداب والفلسفة وعلم النفس والاجتماع؟؟ إذاً لابد للقضية من بعد سياسي لا علاقة له بسوق العمل·
دراسة العلوم السياسية تتضمن كما يعلم كل العاملين في التدريس الجامعي، وكذلك الحكومات العربية والإسلامية، تتطلب دراسة الأنظمة السياسية والفكر السياسي والعلاقات الدولية وتنظيم الحكومات والإدارة العامة وغيرها من الموضوعات السياسية· كل هذ الموضوعات لا يمكن دراستها وتدريسها إلا في مناخ ديمقراطي، كما أنها تحتاج إلى قدر كبير من النقد المنهجي الذي يتطرق إلى أنظمة الحكم ودور المؤسسات في المجتمع والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، إضافة إلى هذا كله أن هذه القضايا يمكن بكل سهولة دراستها في ضوء أوضاع المجتمع القائمة، مثلاً حين يتم تدريس الأنظمة السياسية، لابد من التعرّض للنظام الديمقراطي كمثال للحكم الصحيح، وهذا لا يجد مجالاً عند أكثر الأنظمة السياسية في العالم الثالث·
وإذا كان التدريس الجامعي بشكل عام يحتاج إلى الحرية، فتدريس علم السياسة يحتاج إلى حرية أكبر، لأنه، خلافاً للتخصصات الأخرى في العلوم الإنسانية يتعرض لقضايا حساسة ربما تمس نظام الحكم القائم، أو تمس الأنظمة الأخرى ذات العلاقة بنظام الحكم· وباختصار شديد، علم السياسة، يسبب الكثير من المشكلات التي تفضل معظم الأنظمة السياسية تفاديها، ولذلك يكون الحل إما بعدم فتح قسم للعلوم السياسية، أو تهميشه أكاديمياً بفصل الإدارة عنه أو عدم تشجيع الانضمام إليه· لكن، هل هذا يحل المشكلة: تجنب المشكلات الصادرة عنه؟
في الحقيقة، أن علم السياسة، علم غربي في جذوره· فالتراث العربي والإسلامي لا يعرف مثل هذا العلم، وبالتالي فهو علم وافد· المراجع العربية الأصيلة في هذا العلم معدومة، ومعظم ما هو موجود ليس سوى توليف أو ترجمة أو إعداد، فضلاً عن أن معظم المراجع المستخدمة في التدريس الجامعي قديمة، وكذلك حركة الترجمة ضعيفة جداً، إلى درجة أن العالم العربي كله لا يوجد به سوى دورية علمية واحدة هي السياسة الدولية الصادرة في مصر· بل لا توجد جامعة عربية باستثناء مصر، توجد فيها مجلة علمية خاصة بالعلوم السياسية، في حين أنه توجد العديد من الدوريات العلمية في علم الاجتماع والفلسفة والآداب بشكل عام·
على رغم أن علم السياسة من العلوم المهمة والضرورية واللازمة لكل مجتمع، فإن معظم الأنظمة العربية لا تحبذ هذا القسم العلوم السياسية في جامعاتها، لأنها ليست أنظمة ديمقراطية، ومن ثم فهي تخاف من هذا العلم المزعج لها سياسياً.