عندما اجتمع وزراء مالية الاقتصاديات الكبرى في العالم في واشنطن خلال الشهر الماضي على هامش اللقاء السنوي لصندوق النقد الدولي، تمكنوا من بلورة استراتيجية دولية ناجحة استجابة منهم للأزمة الدولية التي باتت تهدد الاقتصاد العالمي بعد تمددها خارج الحدود الأميركية وبثها للرعب في الأسواق المالية. هذه الاستراتيجية ركزت على ضخ الأمول في النظام المالي للدول الصناعية ونجحت إلى حد ما في إخماد أسوأ المخاوف وإرجاع بعض الثقة إلى الاقتصاد، لذا يتعين على مجموعة الدول العشرين في اجتماعها المزمع عقده يوم السبت القادم، البناء على نتائج اجتماع صندوق النقد الدولي وتطوير مخرجاته من خلال اعتماد مقاربة عالمية مماثلة لمواجهة الانحدار الحاد في الاقتصاد العالمي والحؤول دون تحوله إلى ركود عام قد يفضي بنا إلى شيء مشابه للكساد الكبير الذي شهده العالم في عشرينيات القرن الماضي. ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تبدأ مجموعة الدول العشرين أولا بما هو بديهي متمثلا في تجنب الدخول في صراعات جانبية وخلق مشاكل إضافية يعلمون قبل غيرهم أنهم في غنى عنها خلال الظرف الراهن، فأي نزاعات بين الدول المشاركة في الاجتماع بشأن قضايا خلافية، مثل توحيد القيود والضوابط المالية، سيهز الثقة الهشة على كل حال في الاقتصاد العالمي، بل سيعمل على تبديد المكاسب المتراكمة إلى غاية الساعة وإدخال الأسواق في لجة الاضطرابات الخطيرة. وعلى سبيل المثال يتعين على قادة الدول العشرين تجنب، ما أمكن، التباكي على ما حصل وتحميل المسؤولية لطرف دون آخر، إذ في الوقت الذي بات معروفاً الدور الأميركي في إشعال الأزمة ونشر تداعياتها، فإن هناك أيضاً عناصر أخرى تستحق اللوم وتتحمل قسطها من المسؤولية. وبعد الانتهاء من لعبة إلقاء اللوم تبقى الخطوة الأهم أمام قادة الدول والمتمثلة في التعهد بتبني برنامج مكثف لتحفيز الاقتصاد يتراوح بين 1 و2% من حجم الاقتصاديات الوطنية، هذا الدعم للاستهلاك المحلي من خلال ضخ أموال إضافية في عجلة الاقتصاد، سيساعد على تعزيز النظام المالي وتخفيف الضغط على الاقتصاد وصولا في الأخير إلى إبعاد شبح الركود الذي يخيم حالياً فوق رؤوس الجميع. ولنا في الصين التي يمثل نموها الاقتصادي أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي، خير مثال على حصافة قيادتها وبعد نظرها عندما أعلنت مؤخراً عن برنامج طموح لدعم الاقتصاد وتعزيز النمو، تنتظر مثله الأوساط الاقتصادية في الولايات المتحدة وفي أوروبا على وجه الخصوص، للحصول على الدعم الحكومي والاستفادة من برنامج مالي يوفر لها السيولة ويحول دون انكماش القطاعات الاقتصادية المهمة. ولتحقيق ذلك، وللتغلب على الأصوات المعارضة داخل الدول، لاسيما في الولايات المتحدة وألمانيا، لابد من إدراك دولي واضح لحاجة الاقتصاد إلى مزيد من الدعم وضمان تدفق الأموال إلى البنوك والقطاعات الحيوية المتضررة. والأهم من ذلك أنه يتعين على مجموعة دول العشرين، وهي تحاول إنقاذ الاقتصاد العالمي، ألا تقع في فخ التلاعب بقواعد التجارة الدولية لتفادي السقوط في أخطاء الماضي، حيث كانت الإجراءات الحمائية التي اتبعتها الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي عاملا حاسماً في تفاقم الكساد الكبير وانتقاله إلى أوروبا. وفي هذا الإطار لاحظنا كيف تبنت الصين برنامجاً لدعم صادراتها، وهي خطوة عديمة الجدوى بالنسبة لبلد يتوفر أصلا على أكبر فائض تجاري ومازال، رغم التباطؤ الحالي، وهو الأسرع نمواً في العالم، حيث سيؤدي أي تقييد لحركة التبادل التجاري إلى تهديد النمو الاقتصادي وتعريض استقرار الأسواق المالية للخطر. وعلى قادة مجموعة الدول العشرين ألا ينسوا التزاماتهم تجاه صندوق النقد الدولي الذي ينتظر ما لا يقل عن 500 مليار دولار من الموارد ليلبي احتياجات الدول النامية التي تعاني من الأزمة المالية أكثر من غيرها، لاسيما أن صندوق النقد الدولي بدأ فعلا في إقراض الدول الأكثر تضرراً مثل المجر وإيسلندا وباكستان وأوكرانيا، ناهيك بالطبع عن الدول الأخرى التي تنتظر دورها في الحصول على القروض. وبسبب ترابط الاقتصاد العالمي وما تمليه المصلحة الوطنية للدول من مساعدة اقتصاديات البلدان الأخرى، سارعت اليابان في هذا الصدد إلى تقديم 200 مليار دولار إلى صندوق النقد الدولي، وهي الخطوة التي يمكن للصين أن تحذو حذوها بالنظر إلى احتياطاتها المالية الهائلة، فضلا عن الدول المصدرة للنفط التي تمثلها السعودية في اجتماع مجموعة دول العشرين. وأخيراً لا بد لمجموعة الدول العشرين، وكجرء من جهودها الرامية إلى دعم الاقتصاد العالمي والحفاظ على مستويات معقولة للنمو، من تشكيل فرق عمل تنكب على معالجة الاختلالات البنيوية العميقة التي أطلقت الأزمة، وهو ما يستدعي تحيليلًا هادئاً وتهيئة مسبقة قبل الإعلان عن الخلاصات والبدء في تطبيقها. ومن أهم ما يمكن أن يخرج به التحليل، هو الحاجة إلى وضع ضوابط جديدة للنظام المالي العالمي وعدم الاكتفاء بإصلاحات ضيقة تحصر داخل الحدود بالنظر إلى الطبيعة العالمية للأزمة وما أظهرته من تشابك النظام المالي على الصعيد الدولي. أما النقطة الأخرى التي تحتاج إلى تمحيص فهي مرتبطة بفشل صندوق النقد الدولي في التنبؤ بالأزمة الحالية والشروع في تطبيق إجراءات وقائية، وهو ما يقودنا إلى موضوع آخر مرتبط بالمؤسسة المالية ذاتها التي تعاني من اختلال في تمثيل القوى الاقتصادية الصاعدة، إذ لم يعد مقبولا من ناحية الشرعية السياسية أن تبقى الدول الآسيوية الناشئة ناقصة التمثيل في صندوق النقد الدولي، بينما تحتكر فيه الدول الأوروبية التمثيل وذلك لأسباب تاريخية طواها الزمن. لكن بالنظر إلى قرب مغادرة إدارة بوش البيت الأبيض، فإنه من الصعب على الولايات المتحدة قيادة العملية الإصلاحية في الوقت الراهن، ما يحتم على الرئيس المنتخب الدخول على الخط وقبول مقررات الاجتماع لضمان الانخراط الأميركي في دعم الاقتصاد العالمي. ولابد في هذا السياق من تكثيف المشاوارت بين الإدارة المنتهية ولايتها وتلك المنتخبة، وتبادل الآراء لإنجاح الحدث دون أن ننسى الدور الأساسي للدول الأوروبية التي بادرت بالدعوة إلى الاجتماع، بالإضافة إلى تعاون الدول الآسيوية التي تملك المال والاقتصاديات الصاعدة. وهكذا فإن الاجتماع القادم لمجموعة الدول العشرين قد يدخل التاريخ باعتباره شاهداً حياً على انتقال القوة الاقتصادية العالمية إلى آسيا، ولكونه أيضاً محطة مهمة في علاج الأزمة المالية الأكبر والأوسع منذ بداية القرن الحادي والعشرين. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"