نتمنى أن تكون الدراسة الخاصة بـتنظيم زواج المواطنين من أجنبيات والتي يقوم بها حالياً عدد من اللجان في الدولة والمكلفة بدراسة هذه المشكلة، أن ترى النور قريباً جداً وأن تلعب نتائجها والقرارات التي سوف تصدر عنها دوراً مهماً في عملية معالجة هذه المشكلة·
إن مجتمع الإمارات عانى كثيراً من آثار هذه المشكلة والتي لم تكن موجودة حتى أواخر الستينيات لكنها برزت بشكل ملفت للنظر في بداية السبعينيات من القرن الماضي نتيجة لطفرة النفط المادية الشديدة التي حدثت في المجتمع والتغييرات الاجتماعية السريعة التي صاحبت ذلك حيث تمثلت صورة البداية في هجرة جماعية للزواج من دول آسيا بسبب لوثة المراهقة المتأخرة التي أصابت بعض كبار السن، واتجاه البعض وخاصة طلاب البعثات الدراسية إلى هذا النوع من الزواج في غياب القوانين التي تنظم هذه المسألة أو تحد منها·لكن خطورة آثار هذه المشكلة لم تبدُ واضحة تماماً إلا بعد اتساع دائرة هذا النوع من الزواج بسبب التحولات السريعة التي مر بها المجتمع وتدفق أعداد كبيرة من الجنسيات التي زادت على 80 جنسية وما صاحب ذلك من ظواهر اجتماعية·· لقد بدأت هذه الآثار الخطيرة تتضح وتشكل بقعاً وثقوباً سوداء في نسيج المجتمع الإماراتي والأسرة الإماراتية، وهذا ما أشارت إليه الكثير من الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع مثل: زيادة العنوسة بين المواطنات، وارتفاع معدل الطلاق وظهور حالات التفكك الأسري وانحراف الأبناء· وأخطر هذه الآثار هو فقدان الانتماء الوطني عند أبناء هذا النوع من الزواج المختلط·
إن التحدي المهم في هذه القضية هو ما يواجهه الأطفال من فقدان لـ الهوية الدينية ، فالأب يذهب إلى المسجد والأم غير المسلمة تذهب إلى الكنيسة أو المعبد، أو أنها بلا دين·صحيح أن هناك من أدخل زوجته في الإسلام لكن هناك الكثير ممن لم يسعَ إلى هذا الأمر وتركها على دينها أو بلا دين· وهناك من أسلمت بصورة شكلية، وفي أول خلاف بينها والزوج تركت البلد وهربت إلى دولتها بالأبناء وعادت إلى دينها الأول هي والأبناء···
المؤسسة التربوية هي أيضاً تعاني من هذه الاشكالية الخطيرة حيث إن حالة الطفل من زوجة أجنبية غير عربية باتت تعتبر مشكلة كبيرة بسبب الصعوبات العديدة التي تعترض مسيرة دراسته مثل: التأخر الدراسي وصعوبة النطق والقراءة بلغة عربية سليمة وعدم قدرته على التواصل اللغوي وفقدان الكثير من ذكائه بسبب هذه المشكلة، هذا إلى جانب تفضيله للعزلة وشعوره بالغربة وعدم التكيف مع من هم في سنه وعدم ثقته بنفسه وأهمها وأخطرها وأكثرها تأثيراً هو شعوره وإحساسه بالدونية···
إن مكمن الخطورة في هذه المشكلة هو أنها دخلت مرحلة جديدة تتمثل في العديد من الصور: أولا: ظاهرة اختطاف الأبناء والتي أدخلت الدولة في إشكالية سياسية مع دول الزوجات الأجنبيات· ثانيا: ثقافة الجريمة: التي بدأت تبرز على بعض الزوجات الأجنبيات بشكل ملفت للنظر وبصورة تصاعدية والتي انعكست آثارها على مجتمعنا بصورة خطيرة· ثالثا: شكل الارتباط بالزوجة الأجنبية والذي أصبح البعض لا يراعي فيه إذا كانت المرأة الأجنبية التي سيتزوجها عفيفة أو غير عفيفة ذات دين أو ملحدة تحمل ثقافة فاسدة قد تجعلها تنحرف وتنشر الرذيلة في المجتمع أو أنها خطر على أمن المجتمع والدولة، فبعض الزيجات من هذا النوع تتم عن طريق التعارف في غرف الفنادق المغلقة أو صالات الديسكو أو المراقص أو البارات أو بعض الأماكن المشبوهة· وتصوروا معي تأثير هذه الزوجة بعد أن تصبح أماً على تكوين شخصية ومشاعر وثقافة وانتماء الطفل الذي ستنجبه من هذا الزواج والذي سيحمل هوية الدولة وانعكاسات كل ذلك على مجتمع الإمارات··· إن تجربة الزواج من أجنبية في غالبية حالاتها تجربة فاشلة بنسبة 98 في المئة لأسباب عديدة منها:
التباين الثقافي الحاد الذي يحدث بين الزوجين والذي قد لا يبدو واضحاً في بداية الزواج، لأن غالبية هذا النوع من الزواج تقوم على ثورة عاطفية انفعالية أو منفعة مادية··· وغالباً ما ينتهي هذا الزواج بمشكلات وقضايا في ساحات المحاكم وبصفة خاصة إذا كان هناك أطفال بين الجانبين ويدخل الجانبان في دوامة طويلة حول مسألة حضانة الأبناء، وفي حالة عدم رضى أحد الطرفين عن الحكم يبدأ مسلسل اختطاف الأبناء والذي بدأ يلف بمخاطره العالم العربي في السنوات الأخيرة· و السبب الأخير تآكل النسيج الأسري وتمزيق حالة الترابط العائلي بفرض الزوجة الأجنبية على الوالدين حتى ولو أدى ذلك إلى إغضابهم أو قطيعتهم· إن الدولة حاولت وضع بعض الحلول للحد من هذه المشكلة، تمثلت في إنشاء صندوق الزواج بهدف تشجيع المواطنين للزواج من مواطنات، وأيضاً بتحديد المهور حسب قرار صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ، ونرى ضرورة الاستعجال في إصدار قانون يمنع الزواج من أجنبية ولا يسمح به إلا في حدود ضيقة.