أعلنت شركة مونسانتو مؤخرا تخليها عن خططها الرامية إلى تسويق قمح معدل جينيا. ويمثل ذلك الإعلان أكبر هزيمة يمنى بها المدافعون عن استخدام التقنية الحيوية في المجالات الزراعية، كما يمثل من جانب آخر نصرا واضحا للمتشككين في جدوى هذه التقنية، الذين يقولون إن الشركة المذكورة كانت تحاول أن تبيع للعالم محصولا لا يحتاج إليه بشكل ملح.
وقد جاء في الإعلان الذي صدر مؤخرا، أن الشركة سوف تؤجل إلى أجل غير مسمى، تنفيذ خططها الرامية إلى إنتاج القمح المعروف باسم Roundup Ready وهو قمح بدا للجميع منذ ثلاث سنوات وكأنه سينال قبولا سريعا من جانب المزارعين والمستهلكين في الولايات المتحدة وكندا، قبل أن يمنى بالإخفاق الذي أدى إلى التوقف عن إنتاجه مؤخرا. وقال مسؤولو الشركة إن شركتهم ستقوم بإلغاء الجزء الأكبر من مبلغ الخمسة ملايين دولار التي كانت قد رصدتها سنويا للإنفاق على جهود تطوير محصول القمح المعدل جينيا، وتخصيصها لأوجه نشاط أخرى.
ولم يستبعد هؤلاء المسؤولون إمكانية قيام الشركة بإحياء المشروع في المستقبل، ولكنهم أضافوا إلى ذلك قولهم إن الشركة ستقوم بذلك كجزء من حزمة أكبر لإنتاج قمح معدل جينيا، يمكنه أن يكسب قبولا عريضا في الأسواق التجارية. وقال المسؤولون بالشركة، إن أي قرار بإحياء العمل في هذا المشروع لن يتم قبل فترة تتراوح ما بين أربع إلى ثماني سنوات من الآن.
وفي حين أن عددا قليلا من المحاصيل الزراعية المعدلة جينيا هو فقط الذي اكتسب قبولا واسعا لدى المزارعين، فإن الملاحظ أن أياً من تلك المحاصيل لا يستخدم كغذاء أساسي للإنسان، كما أن أياً منها لا يحمل القيمة التي ترتبط بالقمح وحقوله، التي وصفها أحد الشعراء بأنها مثل (أمواج الحبوب العنبرية) في إشارة إلى قيمتها كثروة رئيسية لأميركا الشمالية. ويذكر في هذا السياق أن الجهود التي كانت تقوم بها شركة مونساتو في مجال إنتاج القمح المعدل وراثيا، كان ينظر إليها من قبل كثير من الجهات ذات الاهتمام في مختلف دول العالم على أنها تمثل إرهاصا لما سيؤول إليه مستقبل الزراعة في المستقبل.
ومع ذلك فإن الذي حدث في الواقع هو أن مجموعة صغيرة ولكن منظمة من المزارعين في كندا وأميركا، قامت- مدفوعة بخوفها من أن يؤدي إنتاج القمح المعدل وراثيا إلى خسارتها لأسواق مهمة في أوروبا وآسيا- بشن حملة ضارية استمرت لمدة خمس سنوات كاملة لإيقاف هذا المحصول كون أعضاؤها خلالها حلفا تكتيكيا مع الجماعات المهتمة بحماية البيئة والتي تعارض إنتاج المحاصيل المعدلة جينياً من حيث المبدأ.
وقد احتفلت الجهات المشككة في جدوى استخدام التقنية الحيوية لإنتاج المحاصيل المعدلة جينيا بالإعلان الذي نشرته الشركة مؤخرا. وحول هذا الأمر قال أحد المزارعين بمدينة ميلارتون التابعة لولاية داكوتا الشمالية: (إننا نشعر بسعادة ونشوة بالغتين.. ونحن واثقون من أن مسؤولي الشركة لن يعترفوا أبدا بأنهم قد قرروا التوقف عن مشروعهم بسبب الجهود التي بذلناها، أو بسبب تشككنا في جدوى المشروع ومعارضتنا له منذ البداية.. ولكن ذلك كله لا يهم.. المهم في نظرنا هو أنهم توقفوا عن إنتاج القمح المعدل جينيا وهو ما يعني أننا قد حققنا نصراً عليهم سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا...).
ويذكر أن قمح Roundup Ready قد صُمم في الأساس من أجل تخفيض تكلفة، وتقليل أعداد العمالة المطلوبة، للتحكم في الأعشاب الضارة. والنبات المنتج، يقاوم تأثيرات مبيد حشري يطلق عليه اسم Roundup كانت شركة مونسانتو تقوم ببيعه تحت هذا الاسم، وكانت شركات أخرى تبيعه تحت اسم تجاري آخر وهو Glyphosate. وكان مبيد Roundup يسبب أضراراً بالغة للمحاصيل، ولذلك كان المزارعون يحجمون عن استخدامه عندما كانت المحاصيل تصل إلى حد معين من النمو. أما محصول القمح المعدل
وراثيا Roundup ready أي المحصول المقاوم للتأثيرات الضارة للمبيد الحشري المذكور، فقد تم تعديله جينيا بحيث يصبح قادرا على البقاء حتى في حالة استخدام المبيد الحشري المذكور بكميات كبيرة، أو على نطاق واسع.
وعلى رغم ما يقال فإن مسؤولي شركة موناساتو يقولون إن السبب الأساسي الذي دفعهم للتخلي عن هذا المشروع لا يتمثل في الضغوط التي تعرضوا لها من قبل الناشطين في المجالات البيئية كما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى، ولكنه يتمثل في النتائج التي تم التوصل إليها من قبل مسؤولي الشركة، والتي استندت على إجراء تحليلات حسابية بحتة تبين من خلالها أن مساحة الأرض المخصصة لزراعة القمح الربيعي في الولايات المتحدة مقدرة بالفدان الإنجليزي قد انخفضت بمقدار 25 في المئة منذ أن بدأت البحوث الخاصة بزراعة قمح Roundup ready في عام 1997. ويضيف هؤلاء المسؤولون أنه بسبب ذلك، وبسبب الانقسام الذي حدث بين المزارعين بصدد قبول المحصول أو رفضه، فإن الشركة توصلت إلى قناعة مؤداها أنها يمكن أن تحقق نجاحا في مشروع آخر.
ويقول هؤلاء المسؤولون إنهم سوف يركزون جهودهم حاليا على التوسع في حجم مبيعاتهم من محاصيل أ