ضرب الإرهابيون مجدداً مدينة الخبر السعودية يومي السبت والأحد الماضيين واحتجزوا عدداً من الرهائن وقتلوا اثنين وعشرين شخصاً، جميعهم من الآمنين، من رجال وموظفين قدموا إلى هذه البلاد الطاهرة، ليعملوا جنباً إلى جنب مع إخوانهم من أبناء هذا البلد، مثلهم في ذلك مثل أبناء بلاد كثيرة قدم أبناؤها ليسهموا في نماء هذه البلاد وتطويرها. وبدلاً من عمليات التفجير السابقة، اعتمد المهاجمون هذه المرة على عمليات القتل بدم بارد واحتجاز الأبرياء. وبالرغم من وجود سيارة مفخخة معهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من الاقتراب من البوابة الرئيسية لمبنى الشركة العربية للاستثمار النفطي التابعة لمنظمة أوابك والتي تقوم بتمويل عمليات شراء النفط والمتاجرة فيه. وقد قام هؤلاء الإرهابيون بقتل مدير الشركة وقتل عدد آخر من موظفي هذه الشركة وبعض الشركات الأخرى.
والواضح أن التكتيك الذي اعتمده الإرهابيون في هذه العملية يختلف بعض الشيء عن العمليات السابقة. فهم بدأوا يستهدفون الأهداف الهشّة. ولم يتمكنوا ولله الحمد من التعرض لأي منشأة نفطية مثل المصافي النفطية، أو معامل التكرير أو غيرها. حيث إن هذه المنشآت تتمتع بمنظومة أمنية كاملة، غير أن استهداف المدنيين بغرض ترويعهم أمر يسير، وخاصة أن هذه المجموعات الإرهابية مدربة بشكل كبير على ترويع الآمنين.
وظهر منذ عملية ينبع قبل شهر تقريباً، أن هؤلاء الإرهابيين قرروا التركيز على الأهداف الاقتصادية بغرض إضعاف البنية الاقتصادية للبلاد. غير أن تحقيق مثل هذه الأهداف أمر يصعب على مثل هذه المجموعات تحقيقه. فالسعودية بلد كبير، وعدد العاملين الأجانب فيها يصل إلى سبعة ملايين عامل، ومعظمهم من جنسيات متعددة. ومع أن مثل هذه الأعمال قد تؤثر على بعض الجنسيات، إلا أن أغلبهم سيبقى في هذه البلاد، لأن الحكومة تؤمن لهم الحماية الكاملة، وستواصل تأمين وتعزيز مثل هذه الحماية. كما أن المملكة حريصة كل الحرص على طمأنة الدول المستهلكة للنفط. فقد اجتمع المهندس علي النعيمي، وزير النفط إلى عدد من سفراء الدول الكبرى المعتمدين في الرياض وطمأنهم إلى استمرار تدفق النفط إلى هذه الدول وبالكميات التي تحتاجها الأسواق.
وبالرغم من أن العمالة الأجنبية والخبراء الأجانب يلعبون دوراً مهماً في صناعة النفط وغيرها من الصناعات، إلا أن أكثر من 65 % من موظفي شركة النفط الحكومية الرئيسية (أرامكو) هم من العمال والمهندسين السعوديين. وهم قادرون على إدارة شؤون هذه الشركة، وإن بصعوبة، بدون وجود عدد كبير من المهندسين أو الخبراء الأجانب.
ومع ذلك يجب الإقرار بأن المملكة العربية السعودية هي جزء من قرية عالمية، وكدولة متمدنة ومتطورة فهي تتعامل مع الدول الأخرى، وترحب بالعمالة الأجنبية في مصانعها وجامعاتها ومستشفياتها، وغير ذلك من المؤسسات الحيوية فيها. وبالرغم من الدعوة إلى توطين الوظائف وسعودتها، إلا أن هناك إحساساً عميقاً بأهمية مشاركة الخبرات الأجنبية والأيدي العاملة التي تفد إلى البلاد من جميع أنحاء العالم في عملية البناء والتنمية التي بدأت منذ منتصف السبعينيات وحتى الوقت الحاضر.
لا شك أن هناك تحديات عميقة تواجه المجتمع السعودي فسياسة توطين العمالة تجاهلت لفترة طويلة البعد الإيجابي الذي ذكرناه فيما يخص العمالة الأجنبية وهناك حاجة ماسة لتعميق هذا التوجه خاصة في أية حملة إعلامية موجهة لشباب هذا البلد. فثقافة الصحراء غالباً ما ترحب بالضيف، ولكن هذا الترحيب يحتاج إلى زيادة أطر المعرفة بين الضيف والمضيف. ويعيش الأجانب، غير العرب في المملكة اجتماعياً بانعزال شبه تام عن بقية المواطنين. وهناك حاجة ماسة إلى رفع الحواجز والكلفة بين الطرفين. وحتى الدورات الرياضية بين الشركات الأجنبية غالباً ما تقتصر على موظفيها الأجانب. هناك حاجة لإدخال العمال الأجانب الذين يعيشون على هامش الحياة الاجتماعية إلى قلب المجتمع، بحيث تزول بعض الجدران التي بنيت في الماضي بين المواطنين والأجانب. ويحتاج مثل هذا الأمر إلى جهود مدروسة وحثيثة. وحتى الآن اقتصرت الحملات الإعلامية الموجهة إلى إدانة هذه الأعمال واستنكارها. ومثل هذه الحملات مفيدة، ولكن يجب أن نفكر بشكل إيجابي في وضع برامج اجتماعية وثقافية وإعلامية، تعيد زرع الثقة بين الأجانب من غير المسلمين وبين المواطنين والمسلمين من القاطنين لهذه الديار.
ولا شك أننا لا نعيش في بيئة معزولة عما يدور حولنا. فالمذابح التي حدثت في فلسطين وفي العراق بحق هذه الشعوب العربية المسلمة، قد خلقت حالة من الاستنكار والحنق في بلدان عربية ومسلمة عديدة. وتلعب الجماعات الإرهابية دوراً في الاستفادة من حالات الاحتقان هذه، بزيادة عدد الأعضاء المنضوين تحت رايتها، حيث تحاول أن تبرز نفسها كأداة تحرير للعالم الإسلامي، بينما هي تحاول في الواقع هدم بناء المجتمعات العربية والإسلامية، وتقويض كيانها السياسي والاقتصادي.
المملكة العربية السعودية بخير والدولة قوية مهما حاولت هذه الفئات تهد