علاوي: بعثي سابق درَّبه وفرضه الأميركيون... ورفضه الإبراهيمي


 في غمرة التحديات العويصة التي تفرضها حالة العراق الراهنة، وما يظهر جراءها من تململ أميركي في بلاد الرافدين، أسرعت الولايات المتحدة خطاها حثيثا نحو نقل السلطة إلى قيادات عراقية جديدة. فقبل الإعلان عن غازي عجيل الياور كرئيس مؤقت للعراق، ألقت الولايات المتحدة أيضا بثقلها وراء تعيين إياد علاوي في منصب رئيس الحكومة العراقية المؤقتة، رغم أن ترتيبه كان الثالث والأخير في قائمة ترشيحات المبعوث الأممي إلى العراق الأخضر الإبراهيمي. إلا أن مجلس الحكم، وبـ"اقتراح" من بول بريمر الحاكم المدني الأميركي في العراق، "اختار" علاوي وصوت عليه خلال جلسة استثنائية عقدت في مكان سري لأسباب أمنية، بحضور بريمر الذي هنأ علاوي على فوزه برئاسة الحكومة. ولأنه ليس لمنصب رئيس الجمهورية سوى سلطة رمزية فحسب، فقد تركزت الأنظار على رئيس الحكومة الذي سيكون من أولى مهامه، وفقا لمسؤولين أميركيين، التفاوض بشأن القيود على "سيادة العراق الكاملة" في مجالات حيوية كقضايا الأمن وعقود النفط وعائداته.


فهل لعلاوي أن يحقق السيادة والأمن للعراق؟ يرى علاوي أن "دور الاحتلال سينتهي عندما تستكمل العملية الدستورية والقانونية في العراق"، وقد تحدث أواخر العام الماضي عن ضرورة إجراء مفاوضات بين مجلس الحكم والإدارة الأميركية وقوات التحالف على جدول زمني لانسحاب هذه القوات من العراق. وبذل جهدا كبيرا من أجل تأهيل قوات أمن عراقية ليتسلم العراقيون مهمة الحفاظ على أمنهم الداخلي. وعرف بمعارضته لسياسة "استئصال البعث" التي ظل يدعمها ويطالب بها زميله في مجلس الحكم أحمد الجلبي، قبل توقيفها بقرار أميركي. لا بل طلب علاوي ضرورة إعادة تشغيل مجموعة من الفرق العسكرية والاستخباراتية البعثية التي كانت ناشطة أيام صدام حسين، وتأهليها لمواجهة، ووضع حد لـ"الإرهاب" المسيطر على الشارع العراقي. كان الأمين العام لـ"حركة الوفاق الوطني" العراقي الدكتور إياد علاوي أحد الأسماء التي طرحت للتداول في سوق الترشيحات لخلافة صدام حسين بعد إطاحته، وذلك في الأشهر التي سبقت الحرب الأميركية على العراق.


وإثر انتهاء الحرب ورد اسمه أيضا على لسان جاي غارنر الحاكم المدني الأميركي السابق في العراق، حين أعلن في مايو 2003 أن حكومة عراقية وشيكة ينتظر أن يشكلها ستة من قادة المعارضة السابقة من بينهم إياد علاوي نفسه. لكن سرعان ما أحدث القرار الأممي رقم 1483، والذي أقر سلطة الاحتلال الأميركي البريطاني في العراق، انقلابا في اللوحة السياسية العراقية، فانهارت "لجنة التنسيق والمتابعة" وباقي الصيغ المنبثقة عن اجتماعات المعارضة العراقية السابقة. بيد أن علاوي أصبح عضوا في مجلس الحكم الانتقالي الذي شكلته سلطة الاحتلال في 13 يوليو 2003، ورئيسا للجنة الأمنية العليا في المجلس، بعد أن اختير عضوا في هيئة رئاسية أنشأها مجلس الحكم من 9 أعضاء يتناوبون على رئاسته دوريا لمدة شهر واحد. وخلال رئاسته للمجلس في شهر أكتوبر 2003 قاد وفد العراق إلى مؤتمر المانحين الذي نظمته الولايات المتحدة في أسبانيا لجمع الأموال اللازمة لإعادة إعمار العراق بعد الحرب.


وقد اتسع نفوذ إياد علاوي بعد انضمامه إلى فصائل المعارضة العراقية في مؤتمر أربيل عام 1992، وكان قد تعاون في فترة سابقة مع جهاز الاستخبارات البريطاني "أم آي سيكس"، ثم مع "سي آي أيه"، وأسس "حركة الوفاق الوطني" في لندن عام 1991، وأصدر صحيفة أسماها "بغداد". ثم كان أول شخص من المعارضة العراقية يفتح مكتبا في العاصمة الأردنية عمان في فبراير 1996، حيث أصدر منها صحيفة "المستقبل" الناطقة باسم الحركة، وانشأ إذاعة موجهة بنفس الاسم، وتجول كثيرا في الشرق الأوسط مقيما علاقات قوية مع عدد من الأنظمة العربية. وظلت النظرية المفضلة لعلاوي، هي تنفيذ انقلاب ضد نظام صدام حسين من داخل مؤسسته العسكرية والأمنية والحزبية، فاشتهر بسعيه لاستمالة المنشقين من البعثيين السابقين سواء في الجيش أو في الأجهزة الأمنية، لكن أشهر محاولة انقلابية كانت تلك التي نفذها بالتعاون مع دول أخرى في عام 1996، انتهت بنتائج كارثية غير متوقعة.


وبالنظر إلى صلاته القوية مع أجنحة في الإدارة الأميركية مثل "الاستخبارات المركزية"، ووزارة الخارجية، و"مكتب التحقيقات الفيدرالي"، يربط البعض بين تهديدات علاوي بالاستقالة مؤخرا من مجلس الحكم، وبين إقالة نائبه نوري بدران من منصب وزير الداخلية، بينما ترى قراءة أخرى أن علاوي قد تم إعداده مسبقا في واشنطن لمنصبه الجديد على رأس الحكومة العراقية، وخاصة أن علاوي صرف أخيرا حوالي 300 ألف دولار أميركي - حسب مصادر الصحف الأميركية- لتلميع صورته في الأوساط السياسية الأميركية. وينتمي إياد علاوي المولود في بغداد عام 1945، إلى عائلة شيعية اشتهرت بالتجارة وبدورها في بناء العراق المعاصر أثناء الحكم الملكي، وكان