هل إسرائيل في ورطة؟
سألني صحفيان إذا ما كنت اعتقد، في ضوء الأنباء الأخيرة التي تتحدث عن استعدادات إسرائيلية لعملية عسكرية جديدة في غزة أن إسرائيل في ورطة سياسية تحاول الخروج منها بإشعال الموقف الأمني وإجهاض عملية التسوية؟ أدهشني السؤال، فأنا لا أرى أي علامات على أن هناك ورطة أو حلقة مشددة من الضغوط السياسية على إسرائيل تكاد تعتصرها وتنتزع منها اعترافاً بالحقوق الفلسطينية والسورية التي تواصل قضمها وهضمها وتهويدها.
إننا إذا تأملنا فترة حكم نتنياهو الأولى بين عامي 1996-1999 سنكتشف أن تطرفه الأيديولوجي وطابع العنف الذي يظهر في مواقفه وتصريحاته قد حل محل وظيفة الحرب، بمعنى أن حالة التهديد والوعيد التي أطلقها قد حققت له بدرجة ملحوظة الردع، الذي تهدف إلى تحقيقه العمليات العسكرية. المدهش أيضاً أن نلاحظ أن الانتفاضة الفلسطينية أي انتفاضة الأقصى عام 2000 قد جرى استدراجها من جانب حكومة معتدلة نسبياً، وهي حكومة باراك الذي سمح لشارون زعيم المعارضة في ذلك الوقت بأن يقتحم المسجد الأقصى مدججاً بفرقة من الجنود الإسرائيليين المسلحين. ترى هل يمكننا اليوم بعد تسع سنوات، أن نستنتج أن إسرائيل كانت آنذاك في ورطة تمثلت في ذلك الجهد الضاغط من جانب كلينتون على حكومة إسرائيل للوصول إلى تسوية نهائية حول إقامة الدولة الفلسطينية؟
مؤتمر "كامب ديفيد-2"، الذي ضم عرفات وباراك تحت رعاية كلينتون، قد تلته مفاوضات أخرى في طابا، وبدا أن المجتمع الدولي قد استطاع أن يجد نقطة رخوة في إسرائيل ممثلة في حكومة حزب "العمل" وحزب "ميرتس" اليساري، الذي كان يدفع بشدة إلى إزالة المستوطنات، ويجاهر الرأي العام الإسرائيلي بضرورة مقايضة الأرض بالأمن والسلام. هنا وجد المتشددون من أصحاب أيديولوجية "أرض إسرائيل الكاملة"، أن أطماعهم قد أصبحت في ورطة، وكان لابد من إنهاء حالة الرخاوة التي مثلتها حكومة "اليسار"، ألا يبدو أن سيناريو اقتحام المسجد الأقصى من جانب شارون في هذا السياق أمر مخطط ومحسوب لاستثارة الفلسطينيين إلى الانتفاضة؟ والدخول معهم في صراع عسكري مفتوح، راح يتطور حتى وصل إلى إعادة احتلال مدن الحكم الذاتي في الضفة وحصار شريك السلام الخطر الراحل ياسر عرفات في مقره برام الله. لقد كان اقتحام المسجد الأقصى بداية لتعبئة الرأي العام الإسرائيلي ضد حكومة باراك. وضد عملية التسوية بإشعال الموقف، وهو ما انتهى إلى خسارة باراك الانتخابات أمام شارون وسيطرة اليمين المتشدد على إدارة السياسة الإسرائيلية لسحق سلطة عرفات وإعادة الوضع إلى نقطة الصفر أي نقطة الاحتلال.
هل يمكننا إذن، أن نضع تعريفاً للورطة الإسرائيلية يشير إلى إنهاء الحالة التي تجمع بين حكومة ذات توجه سياسي معتدل نسبياً، وبين ضغوط وأنشطة دولية هادفة إلى إنهاء وضع الاحتلال للأرض المحتلة، وهل يمكن أن نجد نموذجاً آخر لهذه الحالة أو الورطة التي وجدت عام 2000؟
إذا تأملنا الوضع الإسرائيلي الراهن، فسنلاحظ أن حال لا مبالاة قد سيطرت على الأوساط السياسية والإعلامية تجاه زيارة المبعوث الأميركي جورج ميتشيل يوم الخميس الماضي، لقد بحثت داخل جميع الصحف الإسرائيلية في الصفحات الأولى عن التغطية الإخبارية للزيارة، فلم أجد لها أثراً في الصفحات البارزة، حتى كدت أشك أن المبعوث الأميركي موجود حقاً في إسرائيل. في مقابل هذه الحالة من الاستخفاف بالزيارة، نجد في اليوم ذاته اليوم إبرازاً لتصريحات نتنياهو التي يجاهر فيها لأول مرة بأنه يريد الاحتفاظ بغور الأردن الذي يمثل 28 في المئة من مساحة الضفة الغربية. فقد قال في لقاء مع الصحفيين الأجانب، إنه حتى في حالة تحقق السلام، فإن إسرائيل ستواصل فرض وجودها العسكري على الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المتاخمة للأردن. لقد راح نتنياهو يهاجم السلطة الفلسطينية ويتهمها بوضع شروط لاستئناف المفاوضات بعد أن أصبح يتمتع بغطاء من الإدارة الأميركية يدعو الفلسطينيين لاستئناف التفاوض دون شروط مسبق خاصة بتجميد الاستيطان، أو استئناف المفاوضات من نقطة توقفها مع أولمرت. ترى هل يحتاج نتنياهو في وضع القوة السياسي والعسكري الحالي أن يتخلص مما يسميه البعض ورطة؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي. وإذا اعتدى على غزة فلن يكون ذلك بهدف التخلص من أي ورطة.